إن الأمل في تركيبتهِ العجيبةِ الغريبة ، لا يخلوا من مَظاهرِ البؤسِ و
الشقاء ، فما الأملُ إلا إعادةُ ترتيبٍ لأبجدياتِ الألَم ، و إستعراضٌ
للقِوى بعد إستجماعِها سِّرًا للظهورِ أمام الملأ ، فأيُ ألَمٍ ألّمَ بأي
مخلوق ، يحملُ معهُ في طياتِهِ سُبُلَ العِلاج ، فسمُ العقربِ الذي هوَ
الدّاءُ ؛ يُصنعُ مِنهُ المصلُ الذي هوَ الدّواءُ! و تلكَ الضرباتُ التي
تلِينُ ظهرَ الحديد ، هي في الأصلِ تزيدُ في صلابتِه ، و الله عزّ من قائل
أوضحَ لنا في قولهِ : { إنّ معَ العُسرِ
يُسرَا } ، أي أن اليُسرَ مُلازمُ للعُسرِ أو جزءٌ مِنهُ وليسَ قبلَهُ ولا
بعدهُ ، في ثنايا الخوفِ منَ الحاضر و التطلُعِ إلى المُستقبل ، في عِزّ
الأنين و جوفِ الدُّجى يولدُ نورُ الأملِ الجميل ، أملٌ باللهِ سبحانهُ ،
الذي أضحكَ و أبكى ، و أماتَ و أحيا ، أملٌ بقدرةِ الإنسانِ على تجاوزِ
كُلِ آلامهِ ، أملٌ في قُربِ الصُّبحِ ، ثلاثةُ حروفٍ يقرأها كلُ إنسانٍ
يوميًا ، فيدركها العاقلُ المتفاؤلُ أملاً ، و يدركها العاجزُ المُتشائمُ
ألمًا ، إنّ لغزَ هاتهِ الحروفِ قد حيرَ أُمَمًا خلت ، فإن إجتمعت أفرحت
قلوب الصابرين ، وهدّت مضاجعَ القانطين ، و إن تفرقت حيرت جُموعَ الفُقهاءِ
و المُفسرِين ، تركَ اللهُ لنَا حُريةَ ترتيبها ، لنعيشَ على هَديها ، إما
أملٌ بهِ تطولُ الحياةُ ، أو ألمٌ نستعجلُ بهِ الوفاةَ ، وتركَ لنفسهِ
سِرّ ورودها منفصلةً ألف لامْ ميمْ ، و كأنها توضيحٌ لنمطين متناقضينِ منَ
الحياةِ البشرية ، و بهذا الفصلِ تكونُ دعوةً لفصلِ ألامنَا عن آمالنا
حينًا و مزجهمًا حينًا آخر ، فقد خابت أممٌ قبلنا عاشت على الأملِ حتى قعدت
عن السّعيِّ فيه ظّنًا مِنها أن الأملَ كَفيلٌ بملأِ كّفةِ الحسنات ، و
عاشتِ الألمَ حتى يأست من فرجِ اللهِ ، ولا ييأسُ من روحهِ إلا القومُ
الكافِرون ، لذا تدبروا يا رعاگُمُ اللهُ ، هذهِ حروفُ اللهِ ثلاثةُ ،
رَتِبها تَعش مرتاحَ البالِ أو مُضنَكه ، الحروفُ ثلاثُ العقلُ والقلبُ
رابِعُها ، رَتِبها قبلَ أن تُرتبكَ المنايا في اللحودِ ، وتبدأ في العّدِ
ليومِكَ الموعودِ ، ساعتها لن يبقى فائدةٌ لترتيبها ، و لا ينفعُ نفسًا
إيمانُها لم تكُن آمَنت مِن قبلُ أو كسبت في إيمَانِها خيرَا ، قُل
إنتظرُوا إنا مُنتظِرون..

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق