السبت، 31 أكتوبر 2020

دوار القمر... عبده داود

 دوار القمر 

الحلقة 10 

تكررت زيارات عادل وفيروز إلى يوسف في السجن، وفعلاً تلاشت تلك الكراهية الشديدة بين أخو فيروز، وبين عريسها، وتصاعدت إلى  درجة المحبة الحقيقية، التي جعلتهما يندمان على تلك المشاعر البغيضة التي كانت تعيش بداخلهما سنوات طوال...المحبة أزاحت تلك الشوائب الضارة في عمقيهما.

هدف زيارة كمال الأخيرة للضيعة حتى يودع أخاه  أبو يوسف، ويودع  يوسف  في السجن، قبل سفره إلى أمريكا...كان وداع يوسف مؤلماً، وباكياً، وخاصة عندما قال يوسف، يا عمي ضاع مستقبلي...

قال كمال، حبيبي يوسف، ربنا كريم، غفور رحيم،

استغفره وتوب إليه، وهو يسامحك ويجد لك فرصة ثانية، فقط صلِ له واترك الأمر بين يديه... ولا بد الله سيمد لك يد العون، ولم يكن يدرك أحد بأن يد العون حاضرة دائماُ عندما نطلبها، لكنها ستاتي في حينها...  

سافر كمال الى أمريكا، الأرض الجديدة، استقبله أشقاء زوجته في منزلهم بمحبة...

أنفق كمال مبالغ كثيرة لم يكن يتوقعها، ولم يتبق معه نقوداً تذكر، كانت تعز عليه نفسه، ويرفض أن يأخذ نقوداً من أخوة زوجته، وكان يقول لهم  الحمد لله أنا غير محتاج حالياً. بينما هو أضحى معدماً.

أخوة زوجته كانوا يخرجون باكرا قاصدين أعمالهم، وكذلك كمال كان يخرج معهم إلى لا مكان، لا يعرف أين يذهب، ولا يعرف ما هو العمل الذي يستطيع العمل فيه، حتى هو لا يجيد الإنكليزية...كان يجلس أغلب الأوقات في الحدائق العامة. يفكر ولا يرشده فكره الى شيء...

شاهد كمال أحدهم  بالحديقة يبيع فوشار (حبات الذرة المشوية) ذهب اليه يشتري ما يسد رمقه، عرفه عربياً من مصر يدعى فتحي، تحادثا طويلا، والتقيا مراراً، وصارا صديقين...

فضفض كمال للرجل همه، وقال له أنا لا اعرف ما الذي افعله هنا في أمريكا، أدور في الشوارع، وأجلس في الحدائق، ولا أعرف كيف أفكر، لأنني لا أجيد صنعة ما...وصرح الى بائع الفوشار بأنه أنهى النقود التي معه، ولو لم يعيش في بيت أولاد حماه  كان سيموت من الجوع لا محال...

قال بائع الفوشار: يا صديقي أنا أخجل أن أعرض عليك عملاً لا يليق بك. أنا عندي عربة فوشار ثانية

ربما تدور مثلي وتبيع الفوشار ولا تخبر أحداً بعملك إذا كنت تخجل من هذا العمل...

قال كمال: ولم لا، لا يحق للشحاذ أن يكون مشارطاً. اليوم التالي، دفع كمال عربة الفوشار وأوجد لذاته مركزاً عند مدخل حديقة عامة وبدأ يبيع أكياس الفوشار...

آخر النهار يعيد العربة الى مرآب صديقه ويرتدي ثيابه المعتادة، ويعود للمنزل...

كان يربح، لكن ربحاً متواضعاً لا يرضي رب اسرة يريد أن يرسل مالاً لعائلته في سورية. 

  فكرة لمعت في ذهنه، اشترى العربة من صاحبها، وغير في وظيفتها، وبدل شوي الفوشار، صار يقلي الفلافل التي كان يجيد صنعها في بيته، وصار يمعن بتوابلها ذات النكهة الخاصة، والتي كانت تفوح في الحديقة وتفتح الشهية للطعام...

تزايد عدد الزبائن وأضحوا عديدين، والأرباح أصبحت معقولة، الطلبات على الفلافل صارت تتزايد... وصار قادرا أن يحول نقوداً لزوجته في القامشلي، سورية. بشكل منتظم...

كمال كان يشاهد سيارات مغلقة عبارة عن مطبخ متجول لبيع الهامبرغر، والهوت دوغ) أكلات شعبية أمريكية)... 

صارح أبناء حماه عن رغبته شراء سيارة شاحنة يجعلها مطبخاً لبيع شطائر الفلافل، وأكد بأن  مشروعه سيلاقي  نجاحاً،  ويدر أرباحاً جيدة.

أبناء حماه كفلوه في وكالة بيع سيارات  المطبخ المتجول  المخصصة لبيع الشطائر (السندويش). 

حصل كمال على السيارة بالتقسيط وكتب عليها  بالإنكليزية والعربية (فلافل دوار القمر).

في الحقيقة، عندما  كان كمال يقلي أقراص الفلافل. في الصباح بالقرب من مراكز العمل الكبيرة، كان أغلب الموظفين في المنطقة يتهافتون على شراء شطائر الشيف كمال، قبل دخولهم الى أعمالهم، فعلاً لا توجد هناك رائحة   شهية مثلها، نكهتها المميزة كانت تملأ الشارع، حتى إنها طغت على الأكلات الأمريكية...وأحبها الناس أكثر. 

الطلب على  شطائر الفلافل صار كبيراً، ولم يعد كمال قادرا على العمل بمفرده. وصار بحاجة إلى مساعد، فقصد صديقه المصري،  وطلبه ليعمل معه في سيارة (فلافل دوار القمر) وعرض عليه راتباً مغرياً، لم يدع له هامشاً للتفكير بالأمر... وبدأ فتحي العمل مساعدا للشيف كمال...

ازدهرت أعمال كمال، استأجر دار سكن مقبولة،  وأحضر عائلته الى أمريكا، وكانت سعاد زوجته تساعده في تصنيع عجين الفلافل بالمنزل، ومساعده فتحي يقلي في الحلة الكبيرة، وكمال  يلف الشطائر (السندويشات) ويملأ جرار السيارة بالنقود، وآخر النهار زوجته تعد النقود وتخبأها، وفي آخر الشهر يسددون قسط السيارة، وأجرة المنزل، وراتب فتحي، وأقساط مدرسة ولديهما ويفيض أحيانا الكثير. 

فتحت سعاد حسابا مصرفياً مشتركا مع زوجها تودع فيه النقود، وطلب كمال من المصرف تحويل مبلغاً محدداً شهرياً من حسابه الى أخيه أبو يوسف.

اشترى كمال منزلاً مقبولاً بالتقسيط، وبدل دفع الأجرة الشهرية للمنزل، صار يدفع أقساط منزله الخاص...

وكان همه الأول،  أن يجلب يوسف الى أمريكا عندما عرف بأنهم أخرجوه من السجن، ورفضوا استقباله بالمصرف.  

خرج يوسف إلى الحياة مكسور الخاطر، وخاصة أمام أهل ضيعته دوار القمر، عمه كمال كان يعرف

ما الذي  يدور في الضيعة، ويعرف الذي يعاني منه يوسف، لذلك أوكل محامي للإسراع بإحضار يوسف  لأمريكا...

استعجل عادل وفيروز في تحضيرات العرس قبل ذهاب يوسف عند عمه. وكذلك جرى التحضير لخطوبة حنان...

كتبها: عبده داود

الى اللقاء في الحلقة 11

  الراغبون بقراءة الحلقات السابقة تجدونها بمجموعة " رواياتي "



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

🌹أطلت كالهلال✍🏻 جاسم الطائي

 ( أطلّت كالهلال ) أطَلَّت كالهلالِ فكانَ عيدُ وقالت : هل أتى فصلٌ جديدُ بخيلٌ أنتَ والدنيا رُدودُ فما لي والهوى قدرٌ عنيدُ وما لي والمدادُ ...