لكل منا مملكتة
إذا كانت الملوك فخورة بمملكاتها، ومتعلقة بعرشها وتتصرف فيها كيف تشاء، وكما تشاء. تحكم وتسير أمر أفرادها حسب إرادتها، فأنت كذلك لك مملكة وبها أفخم عرش. تحسد عليها إن أنت طورتها.. فيجب عليك أن تكون فخورا بها، كما يجب عليك أن تحكمها بتعقل وتسعى لتطويرها بالعلم. تسير ثرواتها بنزاهة وتفعِّل آلياتِها بنجاعة لكي تَسِير الأمور على أحسن وجه، وتكون أنت أحسن ملك لأحسن مملكة... تدبيرك لشؤون مملكتك يكون بالانتباه لما يحيط بك، والالتزام بعهودك، و مشاركة المعلومات بين من تسيرهم، وتقوية العناصر التي تقوم بالدفاع عن حوزتك، و التفكير المستمر في شؤون رعيتك...
مملكتك هي عقلك. فإذا كانت الملوك تهتم بفهم مكونات مدنها و تكون خبراء في الإحصائيات وجمع معلومات لتحليل علاقات السكان لكي تستطيع إدارة شؤونهم والتحكم في تحركاتهم، والسعي للرفع من مستواهم المعرفي بالتعليم وغيره، فانظر أنت كذلك لنفسك بأنك أنت ملك وعقلك هو مملكتك. ولكن أوصيك، انتبه فمملكتك مرتبتها عالية و مكونات أمورها معقدة، وسكانها كثيرون وأذكياء جدا.. عددهم أكثر من سكان أي مملكة على وجه البسيطة. سكان مملكتك يصلون الى 86.000.000.000 مليار نسمة.. مملكتك بها 86 مليار خلية عصبية. كل فرد أو مواطن من هؤلاء السكان هو لوحده أذكى وأسرع من أي حاسوب مطور اليوم بالمملكات الأخرى.. فعليك أن تكون أدهى وأذكى وأحسن ملك لكي تستطيع تسييرها وتفعيل طاقة سكانها.. من حسن حظك أن سكان مملكتك لا يفكرون أبدا في ثورة ضدك ولا في انقلاب عسكري ولا مدني ضد حكمك.. سكان مملكتك شغلهم الشاغل هو تنفيد أوامرك بلا نقاش لبلوغ مرادك. فعليك الأخذ بهذه المعطيات وسيِّر أمورك بنزاهة و تعقل ونجاعة فإنك إن أحسنت التسيير فهذا سيعمل لصالحك و يعينك في تدبير أمورك لبلوغ غاياتك، وفي التمتع براحة نفسية تجعلك راض بحكمك وراض عن تصرف أعوانك، وإن أسأت التسيير فستعَقَّد الأمور و يخل النظام و تكثر المشاكل و يصدر منها ما يحزنك و ربما ما يجعل من حياتك جحيما لا يطاق. فتطلب حينها الاستعانة للخروج من جحيمك من المخدرات والمسكرات ولن ينفعك هذا فقد فقدت السيطرة على انفعالات افراد مملكتك.. فستشرد و تهيم على وجه الارض باحثا على من يعينك فلن تجده...
بمملكتك سكان لا يتحركون ولا يغادرون أمكنتهم أبدا، كما يفعله سكان المملكات الأخرى، الذين يخلقون اكتظاظا بتنقلاتهم و زحمة باحتكاكهم مما يحدث تشاحنات تقظ مضجعك وتصعِّب عليك إدارتهم.. سكان مملكتك لازمين لأمكنتهم طول حياتهم لكن رغم مكوثهم في أماكنهم، فهم يحرصون على التعاون فيما بينهم.. تراهم لا يخرقون القانون الذي وضع لهم، و يتقاسمون ويتبادلون المعلومات فيما بينهم، جاهدين ليوصلوك لما أنت عازم للوصول إليه.. فكل الأمور بيدك. فإن كان مرادك السعادة فهو كذلك، فلن تتعب في الوصول إليها. وإن كان مرادك الشقاء فهو كذلك، فستيسر ايضا نحوه لنيله.. فأنت من يتحكم في هذا وأنت من يعطي التعليمات لأعوانك، وأنت من يسير، ومن يدبر، ومن يخطط لأمورك.. فأمورك كلها بيدك أيها الملك الهمام.. فكن أحسن ملك لأفضل مملكة تحملها فوق كتفيك...
أحمد علي صدقي/المغرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق