العزلة :
ـــــــــــــــــــــ
حدثت نفسي المنضوية بثوب عزلتي فرحت أحدثها فأكذبها وهي رهينة فضاء ضيق استحكم اقفاله في زمن العجاف وانا الحبيس بسجنها بعوالم المتغيرات بإرادات من يسير دفة العالم المتراخي على هامش الحياة بين طيات عمية واندثار، فما بال الفكر يجذذ ولما لم أألف التغيير بما يُدعى حداثة ام انها محدثات القت رهينها في زنازين غربة الروح وقد اطبقت على الاذان وعميت الابصار، فأثرت العزلة لا انطواء فلها اهلها فمن اعتزل بصدق لم يضيق بها انما صفاء واستكانة للرؤى وكثير من النقاء وتمحيص الامور برويه فلا يرنو الى هذا الا القلة ممن لديهم أسبقية بهذا لا انطواء او اكتئاب اوان يترك الحبل على غارب انما أن ينظر لما حوله ويتبصر لما خفي فبه فوائد جمه منها التفرغ للعبادة والفكر والاستئناس بمناجاة الله تعالى عن مناجاة الخلق . والتخلص بالعزلة عن المعاصي التي يتعرض الإنسان لها غالبًا بالمخالطة، ويسلم منها في الخلوة، وهي أربع الغيبة، والنميمة، والرياء، والسكوت عن الأمر بالمعروف النهي عن المنكر، ومسارقة الطبع من الأخلاق الرديئة، والأعمال الخبيثة التي يوجبها الحرص على الدنيا. وبها فائدة بالخلاص من الفتن والخصومات وصيانة الدين والنفس بالخوض فيها والتعرض لأخطارها، وقلما تخلو البلاد عن تعصبات وفتن وخصومات، فالمعتزل عنهم في سلامة منها. وكذلك الخلاص من شر الناس. فبالعزلة أن ينقطعَ الناسُ عنك، وينقطع طمعك عن الناس. وكذلك الخلاص من مشاهدة الثقلاء، والحمقى، ومقاساة حمقهم وأخلاقهم، فإن رؤية الثقيل هي العمى الأصغر فيرى عذوبة العزلة في اعضائه كما الماء ان جرى في اصل الشجرة فأورقت اغصانها وبعثت نسائمها لغيرها ، وإذا صار العبد الى درجة الخلوة وصبر على ذلك ودام عليه نقله ذلك الى حب الخلوة ، فأول ما يهيج من حب الخلوة طلب العبد الإخلاص والصدق في قوله بينه وبين الله ، وتورثهُ الخلوة راحة القلب من هموم الدنيا وترك معاملة المخلوقين بالسلبية في الاخذ والاعطاء ، وَالإِغْمَاضُ فِي النَّاسِ، وهو أول طريق الى الصدق ومنه الإخلاص ، وتورث الخلوة الزهد في معرفة الناس والأنس بالله وتورثك طُولَ الصَّمْتِ فِي غَيْرِ تَكَلُّفٍ، وغلبة الهوى، وهو الصبر ومنها يظهر الحلم والأناة وانشغال العبد بنفسه وقلة انشغاله بذكر غيره وطلب السلامة من الناس، وَأعلم إن ما َيهيجُ مِنْ حُبِّ الْخَلْوَةِ كثرة الهموم والاحزان ، مِنْهُ مَا يُهَيِّج الفكر، وَهُوَ أَفْضَل الْعِبَادَةِ وَمَخْرَجُهُ مِنْ خَالِصِ الذِّكْرِ، وَيَهِيجُ بحب الخلوة الأَعْمَالُ التي تغيب عن أعين الناس وتظهر لله ، كما يعين على التيقظ من الغفلة واخبار ما يذكر بالقيل والقال ،كما وجدت بان الخلوة بها قلة الرياء والتزين والتزلف للمخلوقين ، ان حب العزلة يورث فلة الخصومة والجدال وعدم طلب الوجاهة والرئاسة وامانة من الجشع والطمع بنعم الزوال وعدم الرغبة لفناء الدنا الزائل لا محال ، وتورث العزلة قلة الغضب والقوة على كظم الغيظ وترك الشحناء والبغضاء وسلامة الصدر مما يحفظ من ضغائن او ينحو لمراد الذات التي تقوده للزلل ، كما ان للعزلة نقاء برقة القلوب والرحمة وينفيان الغلظة والقسوة ، كما ان للعزلة تذكر بالنعم التي وهبها الله لك وطلب الالهام بالشكر والزيادة من الطاعة ، ويهيج بك رغبة بحب الاخرة والجفاء عن ألدنا أي التجافي عن الدنيا والانابة الى دار الاخرة . هكذا أرى وقد يراه الغير بما لا أرى، فلم يبق لنا في زمن العجاف خيار الا ضمن نطاق الذات التي هي بشاغلة الظهور والعظمة والرغبة بالسمو والرفعة بغير عناء وهذا ما نراه بمن رغبها وركب مركبها وعند اللقاء لا يصفو الا من به رنق وهذا ما أراه.....سأرتدي ثوب العزلة التي اخترتها. ولكل ثوب لابس.
أبو مصطفى آل قبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق