الجمعة، 1 أبريل 2022

🧡🤎 أ.د. لطفي منصور🤎🧡

 أ.د. لطفي منصور

“اللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةً بَيْنَ الْمُعَرَّبِ وَالدَّخيلِ وَالْمُوَلَّدِ”

(مُوجَزُ مُحاضَرَةٍ أَلْقَيْتُها ضِمْنَ يَوْمٍ دِراسِيٍّ عُقِدَ في كُلِّيَّةِ الْقاسِمِي الْأَكّاديميَّةِ لِإعْدادِ الْمُعَلِّمِينَ وَالْمُعَلِّماتِ)

قَضِيَّةُ الْمُعَرَّبِ وَالدَّخيلِ قَدِيمَةٌ في اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ. وَهِيَ ظاهِرَةْ عامَّةٌ في كُلِّ اللُّغاتِ.

الْعَرَبُ لَمْ يَتَوَرَّعُوا عَنِ اسْتِخْدامِ الْأَجْنَبِيِّ في لُغَتِهِمْ، لِتُعَبِّرَ عَمّا اسْتَجَدَّ في حَياتِهِمْ، ومَعَ احْتِكاكِهِِمْ بِجِيرانِهِمْ، في حِلِّهِمْ وَتَرْحالِهِم، وَإدْخال ذَلِكُمُ الْأجْنَبِيَّ في نَسِيجِ كَلامِهِمِ الْيَوْمِيِّ وَالرَّسْمِيِّ.

عِنْدَ اطِّلاعِنا عَلَى الشِّعْرِ الْقَدِيمِ الذي سَجَّلَ صُوَرَ حَياتِهمْ وَعاداتِهِم، نَجِدُ الْفُحُولَةَ مِنْهُمْ يَسْتَخْدِمُونَ كَلِماتٍ أَجْنَبِيَّةً مِنْ لُغاتٍ شَتَّى دُونَ حَرَجٍ ، بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَتْ مَأْلوفَةً في أوْساطِهِمِ الشََعْبِيَّةِ وَالثَّقافِيّّةِ.

فَهَذا امْرُؤُ الْقَيْسِ يَسْتَعْمٍلُ كَلِمَةَ السَّجَنْجَلِ بَدَلَ الْمِرْآةِ، لِيَسْتَقِيمَ لَهُ الْوَزْنُ. وَهَذا النّابِغَةُ الذُُّبْيانِيُّ يَسْتَعْمِلُ كَلِمَةَ مَنْجَنُونَ بَدَلَ الدَولابِ لِلسَّبَبِ نَفْسِهِ. وَعَرَفْنا كَلِمَةَ الْمُسَنّاةِ - وهي مَفاتِيحُ مِياهِ السَّدِّ - مِنْ ذِكْرِ خَرابِ سَدِّ مَأرب.

نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ، وَإذا بَيْنَ آياتِهِ كَلِماتٌ عُدََتْ أَجْنَبِيَّةّ، عَلَى خِلافٍ بَيْنَ الْمُفَسِّرينَ وَاللُّغَوِيِّينَ. وَأُخْرَى لَمْ يَكُنْ لِلْعَرَبِ عَهْدٌ بِها مِنْ قَبْلُ، بِالْمَعْنَى الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، عَلَى الْأَخَصِّ أَلْفاظٌ تَدُلُّ عَلَى الْمُصْطَلَحاتِ الدِّينِيَّةِ: كَالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَالْقِسْطاسِ وّالرَّحْمانِ وَغَيْرِها.

وَأثِرَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ  - الْمُلَقََبُ بِحَبْرِ الْأُمَّةِ وَتَرْجُمانِ الْقُرْآنِ - إقْرارُهُ بِأَعْجَمِيَّتِها. غَيْرَ أَنَّ الْإمامَ الشّافِعِيَّ (ت٢٠٤هج) وَأبا عُبَيْدَةَ مَعْمَرَ بْنَ الْمُثَنَّى (ت٢١٠هج) وَابْنَ جَريرٍ الطَّبَرِيَّ (ت٣١٠هج) وَأَحْمَدُ بْنُ فارِسِ (ت ٣٩٥هج) وَهُمْ أَصْحابُ نَظَرِيَّةِ التَّوْقيفِ التي تَقُولُ: إنَّ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ - وَخاصَّةً لُغَةُ القُرْآنِ  وَقْفٌ مِنَ اللَّهِ تَعالَى، مُعْتَمِدينَ عَلَى الْآيَةِ الْقُرْآنِيَّة الشَّريفَةِ “وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها”. هَؤلاءِ الْعُلَماءُ لَمْ يَقْبَلُوا فِكْرَةَ الدَّخيلِ في القُرْآنِ .

وَفي الْمُقابِلِ  نَجِدُ ابْنَ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِي (أَحَدُ الْمُفَسِّرينَ الْكبارِ ، ت ٥٤١هج) وَأبا عُبَيْدٍ (الْقاسِمَ بْنَ سَلّامٍ الْجُمَحِيَّ، ت٢٢٤هج) وَجَلالَ الدِّينِ السُّيوطِيَّ (ت٩١١هج) يُقِرُّونَ الدَّخيلَ.

أَقْدَمُ مَنْ عَرَفَ قَضِيَّةَ التَّعْريبِ، وَاعْتَبَرَها ظاهِرَةً لُغَوِيَّةً هُوَ سِيبَوَيْهِ (شَرْحُ كِتاب سيبَوَيْهِ للسيرافي ت ٣٦٨هج). فَقَدْ ذَكَرَ في بابِ “ما أُعْرِبَ مِنَ الْأَعْجَمِيَّةِ، الْكِتاب ٥:١٩٦”، وَذَكَرَ ثَلاثَةَ أَوٍجُهٍ لِذَلِكَ، وَأضافَ عِدَّةَ أَمْثِلَةٍ كّدِرْهَم وَبَهْرَج، إبْريسَم وَسَراويلُ، خُراسانَ وَفَيْروز وَكُرْكُمْ وَكَهْرَمان.

وَاعتِمادًا عَلَى سُنَّةِ التَّطَوُّرِ اللُّغَوِيِّ، وَعَلَى إقْرارِ الْغالِبِيَّةِ الْعُظْمَى مِنْ عُلَماءِ لُغَةِ العَرَبِ، فَإنِّي أرَى أنَّ الْمُعَرَّبَ وَالدَّخيلَ ظاهِرَةٌ صِحِّيَّةٌ تُثْرِي اللُّغَةَ بِالتَّعابيرِ الْجَديدَةِ، وَتُجْرِي في عُروقِها قَوالِبَ لَفْظِيَّةً جَدِيدَةَ لِلْمَعانِي وَ الدََلالاتِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْها، وَشَحْنِها بِقُوَى تَعْبيرِيَّةٍ جَديدَةٍ تَتَّسِعُ لَها دائِرَتُها، مِمّا يُسَهِّلُ عَلَى النّاطِقينَ بِها تَأْدِيَةَ الْمَعاني، والتَّعْبيرِ عَنِ الْأَحاسيسِ وَالْعَواطِفِ بِيُسْرٍ وَسُهولَةٍ، وَتَرْفُدُ اللَُغَةَ بِالْمُصْطَلَحاتِ الْحَضارِيَّةِ الّتي لا حَصْرَ لَها، مِمّا يُتيحُ لَنا عَلْمَنَةَ لُغَتِنا، والنَُهُوضِ بِها إلَى مَصافِّ لُغاتِ الْعالَمِ جَمالًا وَحَيَوِيَّةً وَاتِّساعًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

🌹أطلت كالهلال✍🏻 جاسم الطائي

 ( أطلّت كالهلال ) أطَلَّت كالهلالِ فكانَ عيدُ وقالت : هل أتى فصلٌ جديدُ بخيلٌ أنتَ والدنيا رُدودُ فما لي والهوى قدرٌ عنيدُ وما لي والمدادُ ...