بروفيسور لطفي منصور
قِراءَةٌ
لِقَصيدةِ "خُيُولُ الْمَيْدانِ" نَثْرِيَّةٌ لِلدُّكْتورَة ريم فَرْحات أبو رَيا
مُقَدِّمَةٌ:
اخْتارَتِ الشّاعِرَةُ عُُنْوانًا جَمِيلًا يُذَكِّرُنا بِحَلَباتِ السِّباقِ، وَمَيادينِ الْخَيْلِ التي كانَ يُقِيمُها الْعَرَبُ في الْجاهِلِيَّةِ وَالْإسْلامِ. وَمِنْ هُنا جاءَتْ شُهْرَةُ الْخُيُولِ الْعَرَبِيَّةِ عالَمِيًّا.
الْفَرَسُ الْعَرَبِيُّ والْحِصانُ مِنْ أَجْمَلِ الْخُيول. وَأَثْمَنُ هَدِيَّةٍ كانَتْ تُقَدَّمُ لِأَصْحابِ الْجاهاتِ فَرَسٌ أَوْ حِصانٌ. الْخُيُولُ الْأَصائِلُ سُلالاتٌ، وَقَدْ أُلِّفَتْ فِيها الْكُُتُبُ، وَإنِّي أَمْتَلِكُ مِنْها نُخْبَةً عَربقَةًفي الْقِدَمِ، أَذْكُرُها زِيادَةً فِي الْفائِدَةِ:
- كِتابُ الْخَيْلِ لِأَبي عُبَيْدَةَ مُعْمَرِ بنِ الْمُثَنَّى (ت ٢٠٩ هج)
- أَسْماءُ خَيْلِ الْعَرَبِ وَفُرْسانُها لِمُحَمّد بن زياد الْأَعْرابي (ت ٢٣١ هج)
- أَنْسابُ الْخَيْلِ في الجاهليَّةِ والْإسْلام لِهِشامِ بنِ محمًدِ بنِ السّائِبُ الْكَلْبي (ت ٢٠٤ هج)
- الْجَوادُ الْعَرَبِيُّ لِمُؤَلِّفٍ مَجْهُولٍ كَتَبَهُ سَنَة ٧٥٧ هج.
- قَطْرُ السَّيْلِ في أَمْرِ الْخَيْلِ لِلْبَلْقِيني (ت ٨٠٥ هج).
- كِتابُ الْفُروسِيَّةِ لِابْنِ الْقَيِّم الجَوْزِيَّةِ (ت ٧٥١ هج).
جَمَعَتْ تِلْكُمُ الْكُتُبُ في بُطُونِها شِعْرًا كَثِيرًا في وَصْفِ الْخَيْلِ ، مُنْذُ عَهْدِ اْمْرِئ الْقَيْسِ وَعَنْتَرَةَ، وَحَتَّى الْأَصْمَعِيِّ الَّذي اشْتَهّرَ بِوَصُفِ الْخَيْلِ .
كانَتِ الْعَرَبُ تُعْطِي الْعَشْرَ اْلْأَوائِلَ في سِباقِ الْحّلْبَةِ جَوائِزَ مِنَ النِّياقِ ، وَهِيَ عَلَى التَّرْتِيبِ الْأتِي: الْمُجَلِّي وَالْمُصَلِّي وّالْمُسَلِّي وتالِيًا وَالْمُرْتاحُ وَالْعاطِفُ وَالْحَظِيُّ وَالْمُؤَمَّلُ واللَّطِيمُ وَالسُّكَّيْتُ وَهُوَ آخِرُها.
وَقَدْ جُمِعَتْ في بَيٍتٍ واحِدٍ مِنَ الشِّعْرِ: جَمَعها الْفَيُّومي.
وَغَدا الْمُجَلِّي وَالْمُصَلِّي وَالْمُسَلِّي
تالِيًا مُرْتاحُها وَالْعاطِفُ
وَحَظِيُّها وَمُؤَمِّلٌ وَلَطيمُها
وَسُكَيْتُها هُوَ في الْأَواخِرِ عاكِفُ
شاعِرَتُنا لَمْ تَأْتِ بِذَلِكُمُ الْعُنْوانِ لِتُعَلَِمَنا عَنْ خَيْلِ الْعَرَبِ بِالرَّغْمِ مِنْ أَهَمِّيّّتِهِ، وَإنَّما لِهَدَفٍ سامٍ أَيْضًا. فَهِيَ تُهِيبُ بِشَبابِ الٍأُمَّةِ الْكُسالَى أنْ يَنْهَضُوا مِنْ سُباتِهِمِ لِبِناءِ بُلْدانِهِمْ الْمُتَقَهْقِرَةِ اقْتِصادِيّا وَعُمْرانِيًّا وَعِلْمِيًّا وَثَقافِيًّا واجْتِماعِيًَّا. فَهُمْ فُرْسانُ الْأُمَّةِ، فَحَرِيٌّ بِهِمْ أنْ يكُونوا كّأَجْدادِهِمْ الَّذِينَ اعْتَلَوْا صَهَواتِ خُيولِهِمِ، وَنَشَرُوا الْعِلْمَ وَالثَّقافَةَ في أَرْجاءِ الْعالَمِ الْقَديمِ.
تَقُولُ الشّاعِرَةُ مُخاطِبَةً عَزائِمَ الشَّبابِ:
- هُبَُوا يا رِفاقْ
اسْتَيْقِظُوا مِنْ طُولِ سُباتْ
في أَعْماقي امْتَعاضْ
(نَفِدَ صَبْرُ الشّاعِرَةِ عَلَى وَضْعِ الْأُمَّةِ الْمُزْرِي، فَصَرَخَتْ غاضِبَةً لِسُباتِهِمْ)
-الْخَيْلُ وَحِيدَةٌ في الْمَيْدانْ
والْفُرْسانَ يَحْتَسُونَ الْخَمْرْ
عَلَى أَجْسادِ الْحَسْناواتْ
(الْخَيْلُ تَرْمُزِ إلَى وَسائِلِ نُهوضِ الْأُمَّةِ. لَكِنَّها عُرْيٌ تَنْتَظِرُ فُرْسانَها الْأَشِدّاءَ. وَيا لِلْخَيْبَةِ فَهُمْ مُخَدَّرُونَ غارِقُونَ في الْمَلَذّاتُ وَكْرِ التَّخَلُّفِ وَالِانْحِطاطِ)
- الْحَرائِقُ تَشْتَعِلُ في الْحَدائِقِ
وَالشُّبانُ يَتَسَكَّعُونَ في الْمَلاهِي
(الْحَرائِقُ رَمْزُ الدَّمارِ في الْوَطَنِ الْعَرَبِيِّ. وَالْحَدائِقُ رَمْزُ مُقَدَّراتِ الْأُمَّةِ الَّتِي يَنْهَبُها الْأَجْنَبِيُّ. كَنَفْطِ الْعِراقِ وَسوريَةَ وَليبيا وَحَضْرَمَوت)
بَيْنَما الشَّبابُ لاهُونَ، لا يَهُبُّونَ لِإنْقاذِ الْوَطَنُ واسْتَكانُوا إلَى الْمَذَلَّةِ وَفِقْدانِ الْكَرامَةِ)
تَصِيحُ بِهِمِ الشّاعِرَةُ!
- هُبُّوا يا رِفاقْ
فَالْحَياةُ خَمِيلَةٌ
وَأنْتُمُ الْوَرْدُ في الْخَميلَةْ
الْعَمَلَ الْعَمَلَ في رَبيعِ بَلادِي
( وَطَنُنا جَمِيلٌ كَالْخَمائلِ، وَأَنْتُمْ شَبابَنا وُرودُ هذا الْوَطَنْ
أنْتُمْ أَمَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ. لَيْسَ لنا إلّا الْعَمَلُ فَهَيّا انْهَضُوا)
- الحَضارَةُ هَمُّ الْأَبْطالِ
وَالْجَمالُ مُعَلَّقٌ بِسَحائِبِ الْعَطاءْ
(عِبارَّةٌ ساحِرَةُ الْجَمَالِ . أَيُّ هَمٍّ لِأَبْطالِ الْأُمَّةِ إذا لَمْ تَكُنْ مُعاناةَ وَطَنِهِمْ؟ وَكَيْفَ يَكُونُ جَمالٌ دُونَ عَطاءٍ؟)
- اِنْهَضُوا!!!
اكْشِفُوا صُدُورَكُم لِأَنْوارِ الْإبْداع
مَتَى اسْتَيْقَظْتُمْ أُمَراءُ أنْتُمْ.
بِكُمْ يَعْلُو الْبُنْيانْ
(نِداءٌ مِنْ قَلْبٍ يَخْفِقُ بِقَضايا الْأُمَّةِ، وَيَنْبُضُ بِآلامِها. هُنا تَضَعُ الشّاعِرَةُ الْإبْداعَ في مَرْكَزِ الطَّلَبِ، لا يَصْلُحُ عَمَلْ دُونَ إبْداعٍ. وهُنا جاءَ تَوْظِيفُ مَتَى الشَّرْ طِيَّةِ: تُرِيدُونَ أَنْ تَكُونُوا أُمَراءَ كَأَسْلافِكُمْ اسْتَيْقِظُوا وَانْهَضُوا ، لا شَيْءَ مُسْتَحِيلٌ.
أَنْتُمْ أَيُّها الشَّبابُ بُناةُ الْأُمَّةِ وَبِكُمْ يَعْلُو مَجْدُها)
- عَلَى سَواعِدِكُمْ يُعْزَفُ لَحْنُ الْخُلُودْ
وَالشَّهامَةُ
وَالْبَقاءْ
(خاتِمَةٌ جَمِيلَةٌ وَرائِعَةٌ. وَهِيَ خُلاصَةُ الْقَصِيدَةِ, وَهِيَ لَحْظَةُ التَّنْوِيرِ. خِطابٌ لِلشَّبابِ أَنْتُمْ مَنْ يُخَلِّدُ مَآثِرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِسَواعِدِكُمْ، وَجاءَتِ الْمَجازُ الْعَزْفُ عَلَى السَّواعِدِ رائِعَ الْجَمالِ.
شُكْرًا لِلدُّكتورة ريم عَلَى هذا النَّثْرِ الشِّعري الرّائِعِ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق