".. ما أصعبَ أن تمضي أيامك في إقناعِ القلمِ بتدوينِ المزيد ، وهو يعلمُ
أنّ بناتَ أفكاره هيّ ما يعجلُ بهلاكهِ و نفاذِ سّاعاته ، فالمسّكينُ كانَ
صامدا صامتا ككل مرة ، و نحنُ ننتزعُ جلدهُ إنتزاعا ، و ننكل بأحشائه بحثا
عن خبايا الحروفِ و أسّرارها ، و هو يقفُ و الدّهشةُ ترتسّمُ على ملامحه ،
لما هؤلاءِ البشر بهاتهِ الأنانية و البشاعة ؟! ، فاللّهُ أمرني قبلهم أن
أكتب ، و جعلني مثلهم لي طاقةٌ ، و صبرٌ ، و عمر ، ولم يُكلفني إلا وُسعي ،
فلما تجبرني تلكَ اليدُ الللعينة على
إختراعِ حرفٍ جديد ، لتسّب هذا ، و ترضي ذاكَ ، لتعجبَ هؤلاءِ و تسّخط
آخرين ، ما دخلي في حربِ المصالحِ الفكرية ، ألستُ كباقي المخلوقات لي
نصيبُ من الصّحةِ و الراحة ، لِما أكونُ عبدا لهاتهِ العقولِ الشيطانية ،
وهي لا تدرك ما تقول ، ولا مكانَ ولا زمانَ المقال ، ها أنا قد خلفتُ
أجيالاً منَ عوانسِ الكلِم ، و الثكالى من الجُمل ، و اليتامى من الحروف
المشردة على صفحاتٍ مطويات ، من ذا سيعيلها في غياهبِ كتابٍ منسّي ، من ذا
سيقرأُ عليها السّلامَ و يُقرِؤها سلامَ القارئينَ ، من ذا سيعيدُ لها
بريقها الذي إختفى في غبارِ الرفوف ، لو كنتُ كغيري من الأقلامِ عصيّ
الفؤاد ، لحافظتُ على سلامتي و شبابِي و تمتعتُ بالخلود ، يا أيها
الإنسّانُ ما أجحدك ، منحتك كلي ولم أبالي ، ولم تمنحني ولو قسّطا للتعافِي
، أو تركتَ الممحاتَ ترتبُ بعضَ ما تناثرَ من زلاتٍ في غفلتي ، فقسّمًا
بالذي خلقَ القلمَ و أمرهُ بالكتابة ، و قسّما بحالةِ التيهِ و الكآبة ، ما
كتبتُ بعدَ اليومِ حرفا ، وما خُضتُ بعدَ اليومِ حربا .. "

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق