النقد الأدبي
ــــــــــــــــــــــــ
ظل النقد الأدبي العربي يتابع الفنون الأدبية منذ نشأتها، فيهتز الناقد من أعماقه بالقبول قصائد اشتهرت في العصر الجاهلي، وعلقت على أستار الكعبة، وأطلقوا عليها المعلقات أو المذهبات. كما أطلقوا على بعض الشعراء ألقابًا تدل على الجودة مثل المرقش، والنابغة، والمهلهل، أو صفات كذلك مثل: الحوليات وعبيد الشعر، ولامية العرب، كما قالوا: هذا بيت القصيد، وأصحاب المراثي، وغير ذلك من الأحكام النقدية العامة، وكان الرواة يتناقلون هذه الأحكام والنظرات العامة مشافهة جيلًا بعد جيل، أو يرددونها على المجالس الأدبية، تناول هؤلاء النقاد قضايا النقد الأدبي في فنون الأدب المختلفة، لتوضيح القيم الخلقية والفنية في اللفظ والمعنى، والمضمون والشكل، والأسلوب والنظم والصورة الأدبية، والموسيقى والإيقاع، والعاطفة والخيال، والذوق الأدبي، والدربة، وقضية عمود الشعر، وقضية الجمال والحلاوة والجلال، وقضية السرقات الأدبية، ومن خلال هذه القضايا النقدية تعددت المدارس الأدبية والنقدية، ومدارس التجديد،.واتخذ النثر الفني أيضًا اتجاهات مختلفة، ومدارس أدبية متنوعة، وقد أصبح هذا التراث النقدي العربي الأصيل بروافده المتنوعة، واتجاهاته الكثيرة ومدارسه النقدية المختلفة، مصادر النقد الأدبي الحديث، يقوم في تجديده على الأصول النقدية القديمة، والمقومات الفنية، والمدارس النقدية، ينبض بها في جميع اتجاهاته الحديثة، ومدارسه النقدية المعاصرة في المحافظة والتجديد، قبل أن أبدأ الحديث عن موقف القدماء من الصورة الأدبية، أستميح القارئ عذرًا في استعمال لفظ الصورة مع بعض القدماء، لأن البعض ربما كان لا يقصدها في حديثه عن الشعر، وغالبًا ما يقصد اللفظ أو الشكل، والأسلوب أو الصياغة والعبارة أو التركيب والنظم أو التأليف، إلى غير لك مما تسمح له ظروف التعبير والحياة، ومدى قدرته للإصابة فيه.والذي قد يجيز لي التعبير بلفظ الصورة عندهم هو مقام البعث عنها في آرائهم وأبدأ بالنقد الحديث فيها، كما قام بذلك بعض الباحثين المحدثين ظنًّا منهم أن مفهوما لم يصل إليها النقاد القدامى من العرب إلا نادرًا، فرأيت من الضروري أن أعرض الصورة في النقد القديم قبل النقد الحديث، وهي أولًا بذرة، ثم أوضح كيف نبتت وترعرعت؟ وشبت واستوت، ونضجت واستقام أمرها.وليس من المعقول أن نفصل الصورة قديمًا عن قضية اللفظ والمعنى وهي جوهرها ولبّها وما اللفظ إلا الشكل؟ وما المعنى إلا المضمون؟ - وهما اللذان أثارهما النقاد المحدثين. وكيف لا يتناول النقد الأساس الأول الذي قامت عليه المذاهب الأدبية فوجدنا منه شعرًا مطبوعًا، وآخر مصنوعًا، شعرًا يهتمّ بالمعنى، وآخر يهتم باللفظ. يقول نقادنا عن الشعر: إنما هو عواطف الشاعر وشعوره بركبها خيال وملكات قادرة ومقدرة فنية موهوبة في صور من الألفاظ والأساليب،ولا مبرر لدعوة الذين يغمضون أعينهم عن هذه القضية، مدَّعين أنها دراسة عميقة لا قيمة لها في الصورة، وتبدأ القيمة عندهم قاصرة، لم توفِ بالغرض المنشود.وهذا بعدٌ عن الصواب، ونكران للحقيقة، وهم أشبه في ذلك بالذي سقط فجأة على ثمرة ناضجة، فقطفها، وأعمل أضراسه فيها، ولم يوجّه أنتباهًا لكيفية وجودها ثم مضى على ذلك وقت طويل، ونشط إليها من تعهدها ورعاها لتصير ثمرة شهية، تسيل لعاب المتذوق ويتلفظ بها فم الآكل.وهكذا فلندعهم سادرين في غيّهم، مخدوعين بما سمعوا وقرءوا، فهم أناس ألفوا الراحة، واكتفوا بما تحت أيديهم من غير جهد ولا تعب، أو تعقب للمراحل السابقة، قبل الوصول إلى نهاية الطريق، ثم يدعون باطلًا أن المراحل السابقة لا قيمة لها ولا وزن، ولا أهمية ولا اعتبار إلا للنتيجة النهائية في مفهوم الصورة الأدبية التي انتهى إليها النقاد في العصر الحديث مفهوم الصورة في العصور السابقة ،فمن الصعب قبل عصر التدوين أن نقف بدقة على مدى الفهم للصورة الأدبية في تعليقاتهم الموجزة في الغالب غير مدونة، فأصبحت عرضة للضياع، فإذا كان الشعر قد ضاع معظمه، ولم يبق إلا أقله، وليس هو مظنة الضياع، لتمكنه من النفس والعقل معًا، فكيف بالنثر الذي قيل حوله، ولو انتهى إلينا خبر عن بعض النقاد في عصور سالفه بالصياغة والصورة فقد يتسرب الشك فيه وفي نقله، ويزيد من اهتمام النقاد بالصورة والصياغة، ما اتجه إليه بعضهم من الصناعة الشعرية، لهذا كله كان النقاد في العصر التي خلت، يحكمون على الشعراء بمقدار جودتهم في الصياغة، ويصفونهم حسب أسلوبهم وتصويرهم، وبدل هذا على اهتمام مدرسة الصنعة بالأسلوب والصياغة، وعنهما كانت الصورة الأدبية بعد ذلك وهكذا استمر مذهب التثقيف وطول التهذيب مذهبًا فيما يسير عليه بعض الشعراء حتى بعد تلك العصور ولعصرنا هذا ،أن العاطفة القوية هي التي تلهب التصوير، وتسري حرارتها في الصورة الأدبية وتبعث في النظم قوة التأثير وتحديد مفهومها حديثًا أن تقرّر التشابه بين القديم والحديث ألم يكن بينهما توافق كبير؟ فحديث العاطفة في الصورة اليوم هو نفسه حديث القرون السالفه أظن أنه لا فرق في الجوهر واللب، وإن كان هناك فرق بينهما في التصريح بالعاطفة وعدمهما يحتاج إلى دفة وبراعة، وعلى الشاعر بعد اختيار الألفاظ والمعاني الكريمتين أن يختار لكل كلمة موقعها من الصورة" لتستمر في مكانها المخصوص لها، وكذلك القافية لا بد أن تقع في نصابها، وتتوازن مع نظائرها وتنشأ كل مع أخواتها، وبذلك يصير كلٌّ من الكملة والقافية غير قلق في مكانه، ولا نافر من موضعه، وغير مكره على اغتصاب ولا مضرب في غير أوطان.وإذا لم يتيسر للشاعر التناسب في الصورة الأدبية الوحدة الفنية بين الألفاظ فيها بحيث لا توافق الكلمة أختها، بأن تعبّر إحداهما عن العشق والصبابة والأخرى عن الحماسة والفخر، مما يهلهل النسج، ويضعف التماسك، وعلى الشاعر حينئذ خوفًا من الخلط والاضطراب أن يترك العمل الأدبي يومًا أو ليلة، حتى يستطيع أن يحكم النسج، ويضع كلًّا في مكانه المناسب، فتقع الكلمة مع أختها، لا مع الغريبة عنها وبذلك يتم التلاؤم بين أجزاء الصورة، ودور الصياغة المنثورة، وتتحقَّق الوحدة الفنية فيها.وقد أخذ اللفظ والقافية مكانهما من النظم أو البيت وليسمّها النقاد اليوم الوحدة الفنية أو العضوية، فيجعل لكل طبقة من ذلك كلامًا، ولكل حالة من ذلك مقامًا، حتى يقسم أقدار الكلام على أقدار للمعاني، ويقسم أقدار المعاني على أقدار المقامات، وأقدار المستمعين، على أقدار تلك الحالات، وينبغي أن يدخل في باب الصورة الأدبية، لأن الغرض من التصوير هو التأثير في النفس بحيث يسيطر على العقل والمشاعر، وهذا التأثير للصورة لا يتمّ ولا يقوى إلا إذا اتفقت مع الحالة التي تعبر عنها، في المقام الذي يبرزه الشاعر للصور :
أولًا: عملية التحضير للقصيدة بما فيها من إعداد المعنى الذي هو هنا أوسع نطاقًا من الفكرة والغرض والتجربة الشعرية .
ثانيًا: المعاني المجردة إنما تكون في الذهن في فكر الشاعر نثرًا .
ثالثًا: أن الشاعر وهو يعاني التجربة، يشكل أثناء ذلك عن المعاني صورًا شعرية متناثرة ويعدّ لها ما يلبسها إيَّاه من الألفاظ التي تطابقه.
رابعًا: أن العقل والفكر يتدخل في النهاية، ليؤلف بين الصور، التي تكون بيتًا يتفق مع المعنى خامسًا: أنه يربط بين اللفظ بإيقاعه ودلالته وبين المعنى، ويشير بذلك إلى قضية النظم وبه تتحقق الصورة الشعرية.
سادسًا: أن التجربة الشعرية في الذهن، التي تحسمها الصورة في الخارج، غامضة للشاعر، فيحتاج إلى معاودة الصور مرات ليستردّ ما نداخل من الصور أو ما خفي منها.
سابعًا: والفقرة السابقة تؤكد التلاحم بين الصور والأبيات، فتشيع بيتها الوحدة ويسري فيها الترابط، حتى تخرج القصيدة كأنها مفرغة إفراغًا، لا تناقض في معانيها، ولا وهي في مبانيها ولا تكلف في نوعها وهذه هي الوحدة الموضوعية بأدقّ معناها، كما يراها النقاد المعاصرون فهو يرى أن تكون الألفاظ في الصورة، والصور في البيت، والبيت في القصيدة، كلمة واحدة في تلاؤم النسج والحسن والفصاحة والجزالة وصواب التأليف.وأحسن البلاغة الترصيع والسجع، واتساق البناء، واعتدال الوزن، واشتقاق لفظ من لفظ، وعكس ما نظم من بناء وتلخيص العبارة بألفاظ مستعارة، وتلخيص الأوصاف بنفي الخلاف، والمبالغة في الرصف بتكرير الوصف، وتكافؤ المعاني في المقابلة والتوازي، فهذه المعاني مما يحتاج إليه في بلاغة المنطق، ولا يستغنى عن معرفتها شاعر . هذه قراءة وان كنا نصرح بها وقد يزيغ اولكم وانا من سطر المقال بهذا فما أكدته بالصورة ونحن في زمن غابت الكثير من مفردتنا والاستعارة بأعجمية الكلمات ليس الا لان الحال لا يحتمل ما خطته يدي وقد أصبت بصداع برأسي من هذا وما هو الا نقطة في بحر الأدب وانا المشلول من قدري أمل التبصر لعلي أوفيت وان قصرت كلماتي ترد والله من وراء القصد .
أبو مصطفى آل قبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق