الاثنين، 27 مايو 2019

ماذا بعد رمضان .. ابو مصطفى ال قبع


ماذا بعد رمضان ؟
ـــــــــــــــــــــــ
الحمد لله الذي لم يزل ولا يزال حليماً غفوراً ، حكيماً عليماً مطلعاً على خلقه خبيراً بهم بصيراً ، قادراً مقتدراً قاهراً منتقماً صبوراً شكوراً . الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ، وخلق كل شيء فقدره تقديراً ، فطر السماء بقدرته وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً ، وسطح الأرض بحكمته ، وجعل فيها رواسي أن تميد بهم وبث فيها أنعاماً وأناسيّ كثيرا ، وجعل كلاً من هذه المخلوقات في قهر مشيئته وسلطان قدرته مأسوراً مقهوراً ، وقسم حال خلقه إلى يقظة ومنام ورؤيا وأحلام ، وأشهد العبد بواسطة الرؤيا جميع أحواله بتسخير الملك الذي وكله بذلك فهو يدله على كل شيء بمثاله عرف ذلك من عرفه ممن شملته العناية الربانية فامتزجت روحه العوالم الروحانية وعاينت طوائف الملكية ، من تفرد بوحدانيتة ، وجعل في كل مخلوق له ثوابت وارى فبذاك أمران بعد الانقضاء :
الأمر الأول: بعد انتهاء الموسم العظيم الذي فتحه الله تعالى بالفرص العظيمة لأهل الإيمان ليتحققوا فيه بالمغفرة والعتق من النار، فاز فيه من فاز بالمغفرة والرحمة والعتق من النار وأخذ في السير في طريق الله تعالى وخاب من خاب وخسر، وكلا الفريقين يسأل: كيف يحافظ المرء على هذه الأحوال التي قد حصل في رمضان و أن يشكر ربه على ما كان من رحمة ومغفرة أو لم يحصل  على شيئ وخرج خائبا فكيف يعاود طريقه إلى الله تعالى مرة أخرى ؟
الأمر الثاني: بعد رمضان ما تزال نعم الله تعالى تتوالى على المؤمنين بفتحه لهم أيام البر وموسم الحج إذ أنه من أعظم مواسم المغفرة والناس فيه على ضربين، الأول : الذي حصل المغفرة في رمضان فأتت هذه المواسم لتكون زادًا ليزداد من هذه الطاعات وليتمكن من شكر الله تعالى على ما فتح عليه. والثاني: فهو الذي لم يحصل تلك المغفرة في رمضان فأتت كذلك تلك المواسم ليلتحق بركب السائرين في طريق الله تعالى وليتمكن من تعويض ما فات من الطاعات. ففتح الله تعالى هذه المواسم لكلا الفريقين ليغفر لهم ويرحمهم وتكون سببًا في عتقهم من النار وكذلك لتحقق بها أشواق أهل الأيمان للوصول لبيت الله تعالى تمهيداً لرؤية الرب في الميعاد المضروب يوم يقوم الحساب لئلا يكون للناس على الله تعالى حجة بعد ذلك، فإذا ما أهملوا هذه الفرصة وتركوها ولم يتحققوا بأسبابها، ولم يأخذوا في أهبتها، في أن يحققوا فيها المغفرة، فليس لهم عذر عند الله تعالى، وقفنا عند هذا الحد، وها قد فتح الله تعالى لأهل الإيمان هذه الرمضانات الكثيرة ليجود عليهم بهذه المغفرة .تراهم قد خرجوا مغفورًا لهم خرجوا عتقاء من النار تراهم قد أخذوا الأمر بجد وعلموا أنهم موقوفون ومسئولون أمام الله تعالى عن ذلك ،تراهم قد خرجوا من رمضان وقد ظهرت عليهم آثار الرحمة، وآثار المغفرة، وآثار العتق من النار ،أم أنهم قالوا : لم يحدث ذلك وإن شاء الله في رمضان القادم سنبدأ من أوله وسنحاول، وسنجاهد وسنواصل، وسنفعل وسنفعل ،تراهم قد أخذوا هذه الفرصة من الله تعالى بالفرحة والإقبال والجد والعزم وبذلوا فيها وقتهم وجهدهم ومالهم وصحتهم وفراغهم ليحققوا أسباب المغفرة، فإنهم لو بذلوا الدنيا وما فيها وجهدهم ومالهم ووقتهم وعمرهم ليحصلوا المغفرة لكان ذلك قليلاً، تراهم قد حصلوا ذلك،تراهم قد خرجوا وقد ظهرت عليهم وآثار التوبة، وصاروا خلقًا جديدًا أحب إلى الله، وأقرب إليه، وأسرع إلى هذا هو السؤال الذي ينبغي أن يسأله المرء نفسه، وأن يعلم أنه إما أنه قد سار في الطريق الذي وقفنا فيه، وإما أنه قد تراجع عنه ؛ لأنه إما أن يتقدم إلى الله، وإما أن يتأخر، فليس هناك أحد يقف في هذا الطريق إلى الله تعالى، إما سائرون إليه مسارعون له متنافسون في الوصول إلى مرضاته، وإما مقبلون على الدنيا آخذون بأسبابها راكنون إلى الشهوات والملذات، منشغلون بالولد والمال وتحصيل الفاني الزائل الذي سرعان ما يموتون وينتقلون عنه ؟ هذا هو السؤال إذن .لو كان ذلك كما ندعي ونزعم فإننا لابد أن نقول: إن الطريق الذي قد اخترناه له علامات ينبغي أن يراها المرء فى نفسه، هل من سار فى هذه الطرق المفترقة سار إلى طريق الله تعالى وسلك سبيله، وظهرت عليه آثاره، أو أنه لم يبدأ في هذا الطريق بعد، وينتظر هذا القول من النبي - صلى الله عليه وسلم -: «رغم أنفه، أبعده الله، أدخله الله النار،ويسأل السائل ما هي علامات هذا الطريق الذي تدعي؟وهذا الطريق أوله هذه المعاني التي ينبغي أن تكون في رمضان من معاني العبادة ومعاني الهمة وما ينبغى أن يكون بينه وبين الله تعالى، وبينه وبين أهله، وبينه وبين أمته، وبينه وبين الناس، تحمل بذلك كله وسار به وأخذ مسئوليته منه بحيث إنه لو قيل له : أنت اليوم منقول إلى الله تعالى ومرتحل إليه لم يكن عنده ما يستطيع أن يزيد عليه، مما يستطيع أن يقدمه.لم يكن عنده بذل جديد...لم يكن عنده وقت جديد...لم يكن عنده مال جديد...لم يكن عنده جهد جديد يقدمه ....فقد بذل جهده ووسعه ليحقق أسباب نجاته، كما بذل جهده ووسعه ليحقق أسباب الدنيا والسير فيها والمشقة لها والتعب في تحصيلها، ثم يموت وينتقل عنه.محبة الله تعالى ومرضاته، وقد علاهم الخشوع والخضوع والإقبال على الحق، والاستعداد للقاء الله جل وعلا ؟ هذا هو مفترق الطرق .ومحل السؤال اليوم : هل سرنا في هذا الطريق الذي حدده الله تعالى وأمر به، أو أن هذه الطرق قد تشتت بنا، ورجع من رجع، وتكاسل من تكاسل، وسوف من سوف، ثم انتظر أن يأتي رمضان الجديد ؟ وعلامات هذا الطريق ...محبة الله تعالى، فمن خرج مغفورًا له يعني خرج محبًّا لربه مقبلاً عليه متعلقًا به متوكلاً عليه واثقًا فيما عنده، قد امتلأ قلبه من محبته ومن نوره ومن ذكره ومن الطمأنينة له ومن الأنس به والشوق إلى لقائه والاستعداد لهذا اللقاء والمسارعة إلى طاعته وبذل المال والنفس والجهد لتحقيق رضى الله تعالى.هل قدمت ذلك على الولد وعلى الزوجة وعلى الابن وعلى الأب وعلى المساكن وعلى الدنيا التي تراها التي قال سبحانه وتعالى فيها: (  زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ). هؤلاء للذين خرجوا من الصيام تقاة لله تعالى لهم ( جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ )أم أنك لا زلت تقدم نفسك وولدك ومالك وثروتك وراحتك ونومك وصحتك وعيالك وزوجتك على الله تعالى ؟! ( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) ( وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً )ان الطريق إلى الوفاء بالعهد مع الله:عدم اتباع وصية الشيطان: ابدأ في رمضان القادم.الحذر من الغرور بعبادة رمضان.المسارعة في البدأ من ليلة العيد..استشعار الحنين إلى الطاعة:1. قيام ليلة العيد. 2. المسارعة بصيام ست من شوال.ابدأ اليوم مع ربك عهدًا جديدًا فأول ما ينبغي فعله بعد رمضان ذلك العهد الجديد،العهد الأخير، مع الله تعالى ،العهد الذي يملؤه الإيمان وقرب الرحيل إلى الله تعالى، وتقديم محبة الله تعالى وخوف لقاء الآخرة وخوف الموقف بين يدي الله تعالى يدفعه إلى الخشية التي تملأ قلبه، ويدفعه إلى العمل ويمنعه من المعصية، ويسارع به إلى الله تعالى لذلك ، أساله نيل أخوة لنا ونحن رضاه وهو السميع العليم ليس كمثله شيء ومنه الجزاء الأوفى .
أبو مصطفى آل قبع





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

🌹أطلت كالهلال✍🏻 جاسم الطائي

 ( أطلّت كالهلال ) أطَلَّت كالهلالِ فكانَ عيدُ وقالت : هل أتى فصلٌ جديدُ بخيلٌ أنتَ والدنيا رُدودُ فما لي والهوى قدرٌ عنيدُ وما لي والمدادُ ...