لحظة موت ٢
يستعد للسفر فقد إنقضت أيام أجازته، عكر المزاج و لكن يظهر التماسك رغم الحزن الذي يكسو وجهه و صوت المخلوق.
يودع زوجته و الأولاد و مازال يحس هذا الألم بين كتفيه و ينزل للطابق الأول ليودع أمه فتحتضنه متحسسة ملابسه كالعادة ............:
بردو مفيش فنلة داخلية يا حبيبي؟
يبتسم كالعادة و لا يعقب على السؤال و ينظر فى عينيها و يبدأ في إخبارها بما يحس كما يفعل دائما طول عمره ...:
"ماما أنا حاسس إني هأعمل حادثة النهارده .
أنا حاسس بوجع بين كتافي"
تستمع كعادتها باهتمام و تمسح بيدها ما بين كتفيه ..: " أكلمك خلتك تيجي ترقيك يا حبيبي؟
شكلك محسود "
يسترجع كلماتها عن الحسد دائما و علاماته ما بين وجع بين كتفيه و كسل يلم بجسد ثم يستنكر ربما هذا بسبب البرد و الكسل بسبب حزنه الشديد عند الفراق كل مرة يسافر فيها إلي عمله.
يمضي و ما زالت عيناها تحرسانه و هو يمضي أمامها...: " ربنا يسهلك طريقك يا حبيبي يحسدوك ليه داهم ضربة متجيش بالعربية دي تاني يا حبيبي".
يستقل سيارته و ينظر إلى المنزل و كأنه يودعه و يستقر فى مقعد السيارة و يربط الحزام و يعزم أن يكون حذراً طول الطريق فهو مازال يحس أن مكروها سيحدث في هذا السفر.
يمر الوقت و السيارة تأكل الطريق و هو مازال على يقظته و تمكنه من مقود السيارة و يتفادى زحام المدن شيئاً فشيئاً حتى يجد نفسهوعل الطريق السريع وقت الظهيرة و كأن الطريق قد خلا له إلا من عربة نقل ثقيل ربما تنقل بعض مستلزمات البناء من منظر الشبكة السوداء التي تغطيها من أعلى.
يمر الوقت و تقترب مسافات الوصول و مع ذلك مازال هذا الهاجس يراوده فيزيده حذراً و يقظةً و كلما شاهد هذه العربة خلفه يطمئن قليلاً فإنها تحمل نفس أرقام بلده
يرن هاتفه المحمول الذي كان يتجنب الاقتراب منه أو لمسه تفادياً لأي إلهاء و زيادة في الحذر يلتقطه بيده اليمن ها هو أحد زملاء العمل يشكو له أمراً ما فيطمئنه و يخبره أنه سوف يحل الأمر عندما يصل بإذن الله و لخوفه يغلق الخط مباشرة و يرمي التليفون على الكرسي المجاور له
يرن الهاتف فيما يده ليلتقطه فيجد نفسه يدور على الطريق منزلقاً على بعض الرمال نثرتها الرياح على الأسفلت تدور به كل الأحداث سريعاً من تخوفه السفر و إحساسه و لحظات الوداع إلى هذه العربة التى ترافقه طول الطريق ووهو يراه مقتربة من بعيد خلفه و هو ينزلق ليدخل في الرمال على جانب الطريق من ناحية اليمن و يلمح يافطة الطريق ١٣ ك للنفق.
مازال في صدمة ما حدث يحاول أن يستجمع نفسه و العربة ملقاة على جانبها المقابل للسائق في الرمال ناظراً إلى الطريق ليتنبه لإقتراب سائقي عربة النقل بعد توقفه بحدة على الطريق و كأنهما شاهداه بالكاد أثناء مرورهما فقد راعهم عدم وجوده أمامهم للمرة الأولى طوال الثلاث ساعات الماضية.
هو مازال في زهوله و هما يقفان أمامه :
" أيه اللي حصل ؟" فيشر بيده بالرمل على الطريق فمازال لم يستجمع نفسه بعد ....: "بردو في الطرق السريعة لازم تبعد عن جانب الطريق. بس خير إن شاء الله، إنت كويس؟ "
فيهما الله و يدفان السيارة لتستوي مرة ثانية و هي سليمة لم يخث لها شيء و يطمئننان أنه بخير فيشر ذلك و يستقل عرفته مرة ثانية و يمضي في طريقه.
يقف بعد النفق بقليل ليطمئن عل الإطارات و لكن العمال في محطة البنزين يتنازلون وجبة الغذا و يسألونه أنه ينتظر فلا يستطيع ذلك و يكمل الطريق و لسانه لا يتوقف عن الحمد لله.
أيمن فوزي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق