عندما يشتد اليأس على الإنسان، يبدأ حياة أخرى، فيها يرمي أشياءه الصغيرة و الثمينة ، يفتح سلة المهملات ، يمزق الورق ويرميه إلى تلك السلة ، لا ينظر إلى الشمعة الصغيرة ؛ لأنه سيتذكر دفء لحظاتها الأولى ويحن إليها، وتراوده نفسه لبقائها ، يكسر بعض الهدايا من أصدقاء الطفولة ، ولا يتحسر ، دفاتر المدرسة الأولى تمحى من الذكريات ، امتحانات الدراسة كاملة توضع في مهب الريح لتأكلها النار ، التواصل مع الصداقة تبتعد بينها المسافة يقل الشوق إليها،
ينغمس المرء في شؤون حياته ، ويترك للقدر اللقاء مع صديق ما ، يمشي فوق أنفاس الماضي دون انتباه ، يحاول أن يجاهد نفسه لئلا تراوده للبقاء ، يتكلم بتمتمات تحمل أرق الحاضر ، يوزع ما يمكن للأطفال الذين يلعبون حوله ، لعل يراهم يلعبون بجزء من ماضيه ، فيحتضن الذكرى بين ذراعيه، غرف تكاد تخلو من كل الأشياء الجميلة رغم بساطتها وطفولتها .
يضحك الإنسان وهو يضحي بأنفس الفترات في عمره ، فهي كانت في زمانها كل الحلم الذي طمح إليه صاحبها، وهي الآن تؤول إلى القمامة دون مبالاة ؛ ليخفف عن نفسه عبء حملها .
ليس الجميل أن تحمل الذكرى ، ولكن الأجمل أن تحافظ عليها مدى العمر مهما اتسع ، ولا تجعل لنزوات الحاضر دورا في تمزيق ماضيك رغم كل بساطته، فهو الذكرى الجميلة التي ستنبت في ربوع الحياة.
أبو أشجان، ٢٤_٨_٢٠١٨م ، الجمعة ، ٩:٤٣ ، مساء .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق