ليلة اشتعل فيها القمر
كانت فاتحة الليل سكون وسكوت ، دفء يلف المكان يسري في وريد البرد فيبددها برفقٍ وحنو فتنصرف برضًاوحبور ،
كل مافي المكان خافت هادئ الصوت والضوء والأثاث ، حتى الكأس المتعبة من الانتظار قد عرق كعبها من برد مابها ، وهي تنتظر شفاه ترسم عليها رشفةً .
الستائر المنسدلة بإتقانِ رسامٍ تحجب خلفها ماضٍ أضناه الشوق
وكأنها حُجب أَسدلت خلفها الكون بمواجعه وأحزانه وآلامه ، أغنية مقهورة تنبعث من ركن ما من ذلك المكان بصوت مطربة
تذوب رقة تقول بعض كلماتها : ( ماذا أنا لو أنت لا تحبني ،ما الليل ما النهار ما النجوم ما السهر ) وسكت ذلك الصوت المقهور لينبعث صوت آخر من جهة أخرى (على وقع أقدام لجسدِ ممشوق كأنه فرس تستعد لمضمار سبق ) وهي تردد ذات الأغنية التي صمتت منذ برهة لترفع القهر عنها : ( وما أنا مجنونة كي أطفئ القمر) .
انتصبت أمامه ملاكاً لمس الأرض أول مرة ، فأشعل القمر ، هنا شعر بأن وجهه تورد حيرة وارتباكاً وخجلاً فلا أطفأت قمراً بل أشعلت عمراً ، حاول أن يظللها فيما يعتريه فظللته بتصديقها
لتخرجه من جميل انبهاره وقد راق لها حاله .
تلك الكأس المتعبة من الانتظار التي كانت مركونة هناك قد انسكبت عطراً ، فأزهرت ربيعاً فهام بها شوقاً ، و كأن الكأس تتشهى ثغراً وثغراً ، لينسدل شَعر طويلٌ بجانبه كما الليل وينام ، وإذا بليله أقصر من طول شعرها المسافر على وجهه ، وإذا الفجر نذير مطل كالحريق .
تنهض وكأنها في حلم مفزعٍ ، و إذ بالريح قد دمرت المكان فقد
أبقت نافذة في أقصى المكان لم تغلقها ، من خلال تلك النافذة عاصفة هتكت كل الستر والحجب والرتابة ودمرت السكون والسكوت وقلبت الكأس المترعة نشوة ومتعة وصلبتها ، فقال والنشوة تسري بلسانه : عندما تبقين نوافذك مفتوحة لن يسترها
ظلمة ليل ، فالستر واهٍ . وغادر والقمر من يومها يحترق ليبقى غده كما أمسه وللأبد .
د. عمر أحمد العلوش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق