^^
قصة قصيرة
بقلمي : د.حسين بشيني
*********************
زرعت حبة فحصدت كومة...!
ترملت فاطمة وهي بسن شارف على الاربعين .لم ترزق من زوجها ببنين ولم ترث عنه من متاع الدنيا غير بيت متواضع وبستان صغير به شجرة تين وزيتونتان ؛ ترك لها الراحل خمسة شياه تعتني بها وتسترزق منها وتستأنس بها كمثل ابناء أعزاء وحمار تستعين به لجلب الحطب والماء وقضاء شتى مآربها .كانت تربي كذلك دجاجات لتقتني بثمن البيض زيتا وشايا وسكرا حين تنزل الى السوق الاسبوعية يوم الاحد وتترك اذذاك الشياه في عهدة شيخ من الاجوار...لم يكن لفاطمة من الاقارب سوى اخت مقيمة بقرية بعيدة فلا تلتقيان الا بمناسبة العيدين لكن الله عوضها بجيران لهم من الطيبة تجاهها ما هي اهل له بفضل رفعة أخلاقها. كانت على غاية من الكرم والسخاء حتى انها تقتسم ما تحصل عليه من حليب كل صباح مع جارة معوزة وأم لصغيرين يتيمين وتشترى لهما كلما تسوقت تمرا او حلوى ، كانت تقتني لهما ما تعثر عليه و يروق لدى باعة الملابس المستعملة دون ان تنسى امهما بل تطلب منها ان تكون كتومة كلما قدمت لها يد المساعدة ، زيادة على ذلك دأبت على عزة النفس وعدم الشكوى زمن الحاجة الى حد انها كانت تمرر بعض الدهان على شفتيها حين تقصد إحدى البيوت لامر ما كي تتعلل حين يقدم لها طعام بانها فرغت من الاكل لتوها ولو تبيت على الطوى ...ظلت فاطمة تكابد مصاعب الدنيا وتواجهها بالقناعة والصبر والتفاؤل وتحافظ على محبة الناس وتبادلهم بمثلها واكثر...تمسكت بهمتها وشرفها ورفضت الكثير من عروض الزواج واختارت ان تبقى وفية للرجل الذي احبته وتعيش على ذكراه وقد كان عطوفا طيب المعاشرة ...
ذات يوم كانت عائدة من القرية فالتقت صبيا تائها بطريقها ، استفسرته عن حاله ونسبه ولكنها لاحظت عليه علامات الاضطراب والخوف وما يدل بانه بلا أدنى شك مريض .ربتت على كتفه وقدمت له علبة بسكويت واعدة إياه بانها ستعيده الى عائلته في اقرب وقت ؛ صحبته معها الى بيتها واوته عندها وأشاعت الخبر بين الجيران لعلهم يهتدون إلى اهل الصبي .مر شهر على تكفلها بذاك الولد الشريد وقد الفت وجوده معها كانه من صلبها ، صممت على علاجه والاعتناء به حتى يحدث الله أمرا...بعد اربعة اشهر بدأت فاطمة تتحقق من تحسن حالته وظهرت على تصرفاته بوادر بداية الشفاء ما زادها إصرارا على مواصلة عرضه على طبيب اختصاص الى ان شفي وعاد بقدر كبير إلى حالة طبيعية. طلبت منه ان يدلها على اهله كي تعيده لهم لكنه رفض بل وأخذته انتكاسة فغضت فاطمة الطرف واستأنفت مشاوير العلاج لدى الطبيب والرقاة ...في الاثناء كانت اسرة الولد تبحث عنه وقد بلغت السلطات عن غيابه ...حدث ان احد جيران فاطمة نزل الى القرية واثناء جلوسه مع بعضهم روى على مسامعهم قصة " هيثم" ، وهو اسم الصبي ، فانتقل الخبر بسرعة البرق لوالده الذي سارع الأتصال بالمخفر ؛ حضر معه اعوان من الحرس الترابي حيث كان يجلس صاحب الرواية. اقتادوه للمركز اين وقع استنطاقه فدلهم على مكانه. في الابان تحولوا برفقة والد الطفل وصاحب الرواية الى حيث تقيم فاطمة ووجدوا بمعيتها الصبي وهو على حال مرضية اندهش لها ابوه وضمه اليه وهو يبكي بحرقة ...لم يتكلف الاعوان مشقة مسائلة فاطمة او اتهامها فلقد تجمع جيرانها وشهدوا بأنها عثرت عليه ظالا ، تائها فتكفلت به على احسن وجه ولولاها ما كان على هاته الحال الجيدة وزادتهم شهادته هو تأكيدا لصحة رواية فاطمة ...نالت السيدة الفاضلة كل عبارات الامتنان والشكر من ظابط الدورية ووالد "هيثم" .كانت المفاجاة ان الولد رفض مرافقة ابيه واصر على البقاء عند فاطمة التى صار يسميها امه ولم يؤثر فيه توسل والده وتذكيره بما خلفه من وجع لوالدته وإخواته ... استقر الامر باقناعه بالعودة الى المنزل ليطمئنوا ويرتاح بالهم على ان ترافقه فاطمة ضيفة على العائلة تكريما لها ثم إن شاء عاد ليعيش معها وتبادل الزيارات بين العائلتين بدون مواعيد ولا تكلف...واستمر الامر كذلك فعلا وكبر " هيثم" وزوجته فاطمة التي بدا قطار العمر يتقدم بها فوجدت فيه الانيس والمعيل ، لا يتوانى في خدمتها وتوفير كل ما من شأنه ان يريح كيانهاو ويسرها ويطيب خاطرها فزاده رد الجميل ودا بقلب فاطمة ورفعة في نظرها وقربا فملكتة ما تكسب هبة مكتوبة من تاريخه ...صارت لفاطمة اسرة واحفادا من غير نسلها وبسط الله لهم رزقهم ويسره وألف بين قلوبهم وعاشوا في سعادة ونعيم ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق