الأحد، 28 مايو 2023

🌹قراءة لقصيدة يتهامسون🌹 لطفي منصور

 أ. د. لطفي منصور

قِراءَةٌ لِقَصِيدَةِ “يَتَهامَسونَ” لِلشّاعِرَةِ الدُّكْتُورَة رِيم فرحات أبو رَيا:

مُقَدِّمَةٌ:

شاعِرَةٌ ناثِرَةٌ ناقِدَةٌ اجْتِماعِيَّةٌ جَرِيئَةٌ لِمُحارَبَةِ ما يَجْرِي في مُجْتَمَعِنا مِنْ أَقْوالٍ زائِفَةٍ وَسَخافَاتٍ وَأَباطِيلَ تَنْخُرُ في جَسَدِهِ فَتُفَتِّتُهُ كَما يَنْخُرُ السُّوسُ الْخَشَبَ.

تَنْقُدُ الشّاعِرَةُ الدُّكْتُورَةُ ريم الْعاداتِ الْبالِيَةَ وَالتَّقاليدَ الْمُهْتَرِئَةَ وَالْإشاعاتِ الْخَبِيثَةَ الَّتِي هِيَ مِنْ أَسْبابِ تَخَلُّفِ أُمَّتِنا الْعَرَبِيَّةِ. النّاسُ في الدُّوَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ يَنْظُرُونَ إلَى الْأَعْلَى

إلَى السَّماءِ وَالنُّجُومِ والْمَجَرّاتِ السَّماوِيَّةِ لِغَزْوِ الْفَضاءِ، لِاكْتِشافِ أَسْرارِهِ، وَنَحْنُ في بِلادِنا نَنْظُرُ إلَى الدُّورِ وَالْمَساكِنِ ، نَخْتَرِقُ جُدْرانَها، بِعُيُونِ الصُّقُورِ لِنَعْرِفَ أسْرارَها، وَما يَسْتُرُهُ سُكّانُها لِنُشْهَرَهُ لِيَطَّلِعَ عَلَيْهِ كُلُّ الْبَشَرِ.

الْهَمْسُ الْكَلامُ الْخَفِيُّ بَيْنَ النّاسِ. مِنْهُ حَضارِيٌّ كَما يَجْرِي بَيْنَ مُسافِرِينَ في حافِلّةٍ، أَوْ طائِرَةٍ أَوْ سَفِينَةٍ، أوْ في النَّدّواتِ وَدُورِ السِّينَما وَالْمَسارِحِ، وَما شابَهَ ذَلِكَ.

وَمِنْهُ سُوقٌ لِلنَّمِيمَةِ الْمُفْسِدَةِ وَنَهْشِ أَعْراضِ النّاسِ الْغُفْلِ الْأبْرِياءِ، وَتَغْذِيَةِ تُهَمِ الزُّور وَخَلْقِها وَإلْصاقِها بِالْآخَرِينَ مَنْ شَرَفُهُمْ أَصْفَى مِنَ الْمُزْنِ،

وَأَنْقَى مِنَ النُّورِ.

وَالْهَمْسُ في تِلاوَةِ الْقُرْآنِ ، يَأْتِي مَعَ الْحُرُوفِ الَّتِي يَجْري مَعَها النَّفَسُ، وَهِيَ عَشْرَةٌ، تَجْمَعُها الْجُمْلَةُ الْآتِيَةُ “سَكَتَ فَحَثَّهُ شَخْصٌ”.

وَالْهَمْسُ في الشِّعْرِ أَيْضًا، وَمِنْها هَذِهِ الْقَصِيدَةُ النَّثْرِيَّةُ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِها. لَيْسَ كَمَعْنَى الْهَمْسِ بِالشِّعْرِ الضَّعْفَ في التَّعْبِيرِ كَالْوَشًًََْوَشَةِ وَهِيَ اقْتِرابُ فَمِ الْمُلْقِي إلَى أُذُنِ الْمُتَلَقِّي، بَلِ قُوَّةَ التَّأْثِيرِ بِالنَّفْسِ بِقُوَّةِ اللُّغَةِ والْمَعْنَى مَعًا، فَيُحِسُّ الْمُتَلَقِي بِِقُرْبِهِ مِنَ الشّاعِرِ كَأَنَّهُ يَهْمِسُ هَمْسًا.

عُنْوانُ الْقَصِيدَةِ "يَهْمِسُونَ"، وَهَذا الْعُنْوانُ هَمْسٌ يُصَوِّرُ بِسُخْرِيَةٍ وَقُوَّةٍ فِعْلَ أُولاءِ تُجّارِ الْأَكاذِيبِ، وَمُمْتَهِنِي الضَّلالِ . كَأَنَّ الشَّاعِرَةَ تُقَرِّعُهُمْ وَتُؤُنِّبُهُمْ

وَتَقُولُ: تَهامَسُوا فَكَلامُكُمُ مَفْضُوحٌ، إنْ لَمْ تَجْهَرُوا بِهِ جُبْنًا سَأَجْهَرُ بِهِ أَنَا، لِيَسْقُطَ الْقِناعُ عَنْ وُجُوهِ الْهامِسينَ وَتَنْكَشِفَ حَقيقَتُهُمْ.

الْأَبْياتُ:

تَتَكَوَّنُ مِنْ سِتِّ فِقْراتٍ:

الفَقْرَةْ الْأُولَى:

- يَتَهامَسُونَ أَنَّ عِشْقَكَ عارٌ كَبير.

- وَأَنَّ اْمْرَأَةً بِرِفْعَةِ نَسَبِي وَمَنْصِبِها الرَّفِيعْ

- لا يَجُوزُ لَها الْبَوْحُ بِعِشْقِ حَبِيبٍ غَرِيبْ

(تكْشِفُ الشّاعِرَةُ في هَذِهِ الْفَقْرَةِ بِحَزْمٍ وَبِتَعابِيرَ واضِحَةٍ مَوْضُوعَ هَمْسِ الْمُغْرِضِينَ وَالدَّجّالِينَ الَّذِينَ لا هَمَّ لَهُمْ إلّا الْمَرْأَةُ، يَرْقُبُونَها إنْ دَخَلَتْ أَوْ خَرَجَتْ، يَرَوْنَ الْحُبَّ الطّاهِرَ عارًا، هَؤُلاءِ الْجَهَلَةُ لا يَعْرِفُونَ أَنَّ الْبَشَرَ بلا تَحابُبٍ لا حَياةَ لَهُمْ، لِأَنَّ الْعَداوَةَ تَحُلُّ مَحَلَّ الْمَحَبَّةِ.

“لا يَحِلُّ لَها الْبَوْحُ بِعِشْقِ حَبِيبٍ غَرِيبٍ”. إنَّهُمْ يَرَوْنَ شِعْرَ الْغَزَلِ الرّاقي عارًا. لَأَنَّهُمْ لَمْ يَقْرَأُوا شِعْرَ ابْنِ الْعَرَبي، وَلا شِعْرَ ابْنِ الْفارِضِ، وَلا شِعْرَ لَيْلَى الْأَخْيَلِيَّةِ، وَلا رابِعَةَ الْعَدَوِيَّةِ).

- وَأَنَّ بُطولاتِهِ الْمُمْتَطِيَةَ صَهْوَةَ أَشْعارِي

سَوْفَ تَتَطايَرُ شَرَرًا

مِنْ نارِ الْحَرِيقْ

(تَسْتَهِلُّ الْفَقْرَةُ الثّانِيَةُ بِاسْتِعارَةٍ مَكْنِيَّةٍ قِمَّةٍ فِي الْجَمالِ . هَؤُلاءِ الْمِبْغِضُونَ عَنْدَما يُشاهِدُونَ نَقْدًا لِشِعْرِ الشّاعِرَةِ تَقْدَحُ عُيُونَهُمْ بِالشَّرَرِ غَضَبًا يُشْعِلُ نُفُوسَهُمْ الْمَريضَةَ كَالْحَريق)

- الْفَقْرَةُ الثّالِثَةُ:

يَتَهامَسُونَ

كَيْفَ أَتْلُو أَبْياتَ عِشْقٍ 

أَمامَ جُمْهُوري الْغَفِير

وَسِحْرُ عَيْنَيَّ يَتَلَفَّعُ بِثَوْبِ الْياسَمينْ

تَتْبَعُ أَثَرَهُ الزَّنابِيرْ

وَسِرْبُ الْخَفافِيشِ

(أَحْسَنَتِ الشّاعِرَةُ وَصْفَ أولَئكَ الدَجالِينَ الْمُتَخَلِّفِينَ بِالزَّنابيرِ وَالْخَفافيشِ.

هْمْ لا يُطيقُونَ رُؤْيَةَ امْرَأَةٍ شاعِرَةٍ تَقِفُ عَلَى مِنَصَّةِ لِإنْشادِ شِعْرِها الْمَحْبُوبِ أَمامَ 

جُمْهُورِها الَّذِي يَعْشَقُ شِعْرَها وَقَدِ اكْتَحَلَتْ وارتَدَتْ بَالْوُرُودِ الَّتِي رَشَقَها الْجُمْهورُ بِها).

- الْفَقْرَةُ الرّابِعَةُ:

ماذا يَدَّعِي الْمُتَهامِسُونَ؟

أَلا تَخْشَيْنَ الظَّلامْ؟

أَلا تَهابِينَ لَسْعَ الزَّنابِيرْ؟

(هُنا تَهْدِيدٌ بِالْعُنْفِ تَنْتَفِضُ الشَّاعِرَةُ بِثِقَةِ في وَجُْوهِهِمْ كَالْعُقابِ. بِالْهَمْسِ الْقَوِيِّ وَتَقُولُ لَهُمْ:)

أَلْفُقْرَةُ الخامِسَةُ: إفْحامُ الضّالِّينَ:

- يا سادَةُ يا مُحْتَرَمُونْ

يا مَنْ تَتَهامَسُونْ

أَلا تَعْلَمُونْ

أَنَّ عِفَّتِي في عِشْقِي؟

جَعَلْتُ جَبابِرَةً لِقُدْسِيَّتِها يَرْكَعُونْ

(هُنا الدَّحْضُ الْمُفْحِمْ

“عِفَّتي في عِشْقِي” جَبابِرَةٌ رَكَعُوا لِهَذِهِ الْعِفَّةِ فَماذا تَتَخَرَّصُون؟)

الْفَقْرَةُ السّادِسَةُ:

- إَنَّ الطُّهْرَ في حُرُوفي

نَثَرَتْهُ الْمَعابِدُ ماءً لِلْمُتَوَضِّئِينْ

وَأَنَّ الْعِشْقَ في مِحْرابِ شِعْرِي

بارَكَتْهُ الْمَلائِكَةُ

وَتَغَنَّى بِهِ الْقِدِّيسُونْ

سَكَبَهُ الشُّيُوخُ في وُجْدانِ

كُلِّ مُريدْ

(نِهايَةٌ رائِعَةٌ بَلِيغَةٌ صادِقَةٌ.

اُنْظُرُوا إلَى وَصْفِ الطُّهْرِ طُهْرِ حُرُوفِ الشِّعْرِ وَإبْداعِ هَذا الْوَصْفِ، هُوَ مَاءُ الْوُضُوءِ لِلْعُبّاد، بارَكَتْهُ الْمَلائِكَةٌ، هُوَ عِشْقُ الْمُتَصَوِّفِينَ، يُعَلِّمُهُ شُيُوخُهُمْ لِلْمُرِيدِينَ تَلامِيذِهِمْ)

وَبَعْدُ،

رَأَيْنا أَنَّ مَوْضُوعَ الْقَصِيدَةِ تَرْبَوِيٌّ اجْتِماعِيٌّ لِمْحارَبَةِ الْفَسادَ في الْقَوْلِ وَالِاعْتِقادِ وَالْأَخْلاقِ . هُنا تَبْرُزُ قِيمَةُ قَصِيدَةِ النَّثْرِ في تَصَرُّفِ الشّاعِرِ كَما يَحْلُو لَهُ في الْمَعاني وَالْأَوْصاف.

شُكْرًا لِلدُّكْتورة ريم عَلَى الْإبْداع،

إلَى هُنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

🌹أطلت كالهلال✍🏻 جاسم الطائي

 ( أطلّت كالهلال ) أطَلَّت كالهلالِ فكانَ عيدُ وقالت : هل أتى فصلٌ جديدُ بخيلٌ أنتَ والدنيا رُدودُ فما لي والهوى قدرٌ عنيدُ وما لي والمدادُ ...