( الموت وأنا / ربيع دهام)
دقَّ الموتُ على بابِي.
- ما بك؟، سألتُهُ مذعوراً
- آتيتُ لآخذك، أجابني الموتُ
ركعتُ على رُكبتيَّ وتوسّلتُ:
- أرجوك. أرجوك لا تأخذني.
عبس الموتُ في وجهي وقال:
- أترغبُ بإنهاء حياتِك رعديداً؟
- لا!، قلتُ للموتِ.
- إذن تعال. تعال معي، أمرني.
بحتُ له عن أخطائي وعن ذنوبي واعترفتُ:
- أنا ظلمتُ مَن حولي. وكذِبتُ خدعتُ. أعطِني وقتاً لأتوب. لا أريد أن تحرقني النارُ.
عبس الموتُ في وجهي وقال:
- أتخشى الآن على نفسك وتندم، وأنت الذي لم تخف ولم تندم يوماً على نفوسٍ ظلمتَها؟
حبّذا لو حرقتْك نارُ الندمِ بداخلك، وتبتَ وتغيّرتَ، لكنتَ وفرَّت على نفسك خوفكَ من نارٍ آتية.
فكّرتُ فيما قاله الموتُ اللئيم فبدّلتُ حجّتي وقلتُ له:
- لكن لديَّ أحبابي. لديَّ أصدقائي. لديَّ ناسي. ولا أريد أن
أخذلهم برحيلي.
أجابني الموتُ:
- وكان أصدقاؤك مِن حولك ولم ترَهُم.
وكان أحبابك أمامك وتركتهم.
أنتَ. أنت الذي خذلتَ قلوب ناسِك بوجودِك، أتخشى اليوم على قلوبهم برحيلك؟
صمتُّ لبرهةٍ ثم قلتُ:
- ومَن، مَن منّا لا يعشق عدوّتك الحياة؟ ومن منّا لا يكرهك أنتَ؟
قهقه الموتُ وقال:
- عدوّتي الحياة؟! بل أنا والحياة توأمٌ. والحياة وأنا أصدقاء لا أعداء.
- أصدقاء؟ أنت والحياة؟ كيف ذلك؟، قلتُ له.
أجابني:
- أنا والحياة مثل الشمس والقمر. ألا يعكسُ القمرُ نور الشمس حين تغيب؟
- بلى
- إذن كُن أنتَ في حياتك شمساً تنيرُ قلوبَ الناس، وستكون قلوبُ الناسِ، في رحيلك، قمراً ينتشل ذكراك من عتمة الموت.
سمعتُ من بعيدٍ صوتُ غراب ينعق.
- وماذا الآن؟، قلتُ للموت.
وضعَ يده على كتفي وقال:
- تأخّرت،
ثم سحبني...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق