حكايةُ الأديبٍ الشّاعر
سكنَ الأديبُ بلا صديقٍ أو رفيقْ
في غرفةٍ كَمغارةٍ تحتَ الطريقْ
لا النورُ يدخُلُها نهارًا أو بريقْ
حتى أحسَّ كأنَّهُ فيها غريقْ
قدْ كانَ أقْرَبَ للْخيالِ مِنَ الْبَشَرْ
ولَعلَّهُ شبحٌ تراءى أوْ حضَرْ
إذْ خُدودُهُ مَلَأَتْ ملامِحَها الْحُفَرْ
فَغَدا فراغًا لُعْبَةً بِيَدِ الْقَدَرْ
ورداؤُهُ وعلى مدى عُمْرِ السِّنينْ
كَرِداءِ مُعْتَمِرٍ بلا خيْطٍ مُبينْ
أزرارُهُ هَرِمتْ كما هَرِمَ الْوَتين
لا الدَهْرُ يعْرِفُهُ ولا السِّجنُ الْحصينْ
فأديبنا عِرِفَ السُّجونَ كَبيْتِهِ
فهناكَ يُمْضي الْحُرُّ مُعْظَمَ وَقْتِهِ
وإذا قضى فَلَهُ الْخُلودُ بِصوْتِهِ
وَبِفِكْرِهِ تاريخِهِ لا موْتِهِ
فأديبُنا رُغمَ المآسي صابرُ
وَعلى المظالمَ دونَ خوفٍ ثائرُ
وَكَما المحيطِ إذا استكانَ فشاعرُ
وإذا استشاطَ فهائِجٌ أوْ هادِرُ
وأديبُنا ضدَّ النظامِ يُصارِعُ
وبِجرْأةٍ جُنْدَ الظَّلامِ يقارِعُ
وبِفكْرِهِ الحرِّ الجريءِ يدافِعُ
عنْ كلِّ مظلومٍ ولا يتراجَعُ
وأديبُنا عَرِفَ النِضالَ ولمْ يزلْ
لمْ يعرِفِ الخوفَ المَقيتَ مِنَ الأزلْ
عشقَ البراءَةَ والمحبَّةَ والغزلْ
كرِهَ النفاقَ لحاكمٍ بالمُخْتَزَلْ
في شعرِهِ كمْ قاوَمَ المُتَصَهْيِنا
ذاكَ المليكَ الْمُقْرِفَ المُتَعَفِّنا
ذاكَ الأميرَ الْمُنْتِنَ المُتَحَيْوِنا
ذاكَ الزعيمَ الفاسدَ المُتَخَرْفِنا
لمْ يطلُبِ العيشَ الرغيدَ وما ركعْ
يومًا لِمُغْتَصِبٍ وحتى ما خضعْ
رُغمَ المشقّةِ لمْ يهُنْ بلْ لمْ يقعْ
عبدًا لقاهرِ شعبِهِ مهما دفعْ
فقرٌ يلازمُهُ ولا يتَذمَّرُ
قهرٌ يلاحقُهُ ولا يتأثَّرُ
جوعٌ يُسَهِّدُهُ ولا يتَضَوَّرُ
برْدٌ يُجمِّدُهُ ولا يتَقَشْعَرُ
كمْ شهَّرتْ أشعارُهُ بشرورهمْ
بشنيعِ ما عمِلوا وقُبْحِ حضورِهمْ
كمْ حاولوا إدخالَهُ لِقُصورِهم
كمْ حاولوا إذْلالَهُ لِقُصورِهمْ
ما كانَ شاعرُنا خَصيًّا أو نديمْ
حتى يكونَ مُهرِّجًا قَزَمًا زنيم
بلْ كانَ يرْفُضُ كُلَّ شيطانٍ رجيمْ
مِنْ عاهِرٍ مَلِكٍ أميرٍ أوْ زعيمْ
في ليلَةٍ عصفتْ بسكانِ القُبورْ
خرجتْ ثعابينُ الظلامِ مِنَ الجُحورْ
وبدونِ إحساسٍ بذنبٍ أوْ شُعورْ
فتكتْ بشاعرِنا ومزّقَتِ السُطورْ
السفير د. أسامه مصاروه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق