الورود البيضاء
قصة قصيرة
---
كانت الليلة الأخيرة في حياته. عرف ذلك منذ أن استيقظ من نومه العميق وشعر بالبرد القارس يتسلل إلى عظامه. لم يخف من الموت، بل كان ينتظره بصبر وهدوء، كما ينتظر المسافر قطاره في محطة مهجورة. كان قد عاش حياة طويلة ومليئة بالمغامرات والحب والألم، ولم يبق له شيء يتمناه أو يندم عليه.
ولكن قبل أن يغلق عينيه للأبد، أراد أن يقضي ليلته الأخيرة مع امرأة كانت تعني له الكثير. امرأة كان قد التقاها في شبابه، ووقع في حبها من النظرة الأولى، ولكنه فقدها بسبب الحرب والزمن والمصير. امرأة كانت تسكن في ذاكرته وأحلامه، ولم يستطع نسيانها أبدا.
كان اسمها مونيكا. كانت جميلة كالوردة، وشقية كالفراشة، وعنيدة كالحصان. كانت تحب الحياة والضحك والرقص، وكانت تكره الحروب والظلم والملل. كانت تعيش في قرية صغيرة في جبال الاماتونج، حيث كان يعمل هو كطبيب شاب متطوع في منظمة إنسانية. كانت تزوره كل يوم في عيادته، وتجلس معه ساعات طويلة، وتحكي له قصصها وأسرارها وآمالها. كان يستمع إليها بإعجاب وتعاطف، ويشعر بالسعادة في وجودها.
ولكن لم تدم سعادتهما طويلا. فجأة، اندلعت حرب أهلية في البلاد، وانقسم الشعب إلى فصائل متحاربة. كان عليه أن يغادر القرية، وترك مونيكا خلفه. وعدا بأن يعود إليها قريبا، وأن يأخذها معه إلى مكان آخر، حيث يمكنهما أن يعيشا معا في سلام. لكن الحرب استمرت سنوات طويلة، وفقدا اتصالهما ببعضهما. لم يعرف هو مصيرها، ولا عرفت هي مكانه.
سافر هو حول العالم، وعمل في أماكن مختلفة، وتزوج من امرأة أخرى، وأنجب منها أولادا وبناتا. لكنه لم ينس مونيكا يوما، وظل يبحث عنها في كل مكان، ويأمل في لقائها مرة أخرى. وفي كل ليلة، كان يحلم بها، ويتخيل أنها ترقص معه في حديقة مليئة بالورود، وتقول له كلمات الحب والوفاء.
وفي ليلته الأخيرة، حدث ما لم يتوقعه أحد. بينما كان يستريح في فراشه، ويستعد للرحيل، سمع طرقا على باب غرفته. فتح الباب، وفوجئ بمن رأى. كانت مونيكا. كانت تبدو كما كانت في شبابها، بدون أي تغيير. كانت ترتدي فستانا أحمر، وتحمل باقة من الورود البيضاء. كانت تبتسم ببراءة، وتنظر إليه بحنان.
- مرحبا، قالت. هل تتذكرني؟
- مونيكا! صرخ هو. كيف حصل هذا؟
- لا تسأل كثيرا، قالت. أنا هنا لأقضي الليلة الأخيرة معك.
- لكن كيف عرفت أنها الليلة الأخيرة؟
- عرفت من خلال الحلم. حلمت بأنك تستدعيني، وتقول لي أنك تحتاجني. فجئت إليك.
- لكن من أين جئت؟ وكيف جئت؟
- جئت من الجبال. جئت بالطائرة.
- بالطائرة؟
- نعم، بالطائرة. هذه هي المرة الأولى التي أركب فيها طائرة. كانت رحلة رائعة.
- لكن كيف دفعت ثمن التذكرة؟
- دفعت بالورود. الورود هي عملة جديدة في البلاد. هل لم تسمع بها؟
- لا، لم أسمع بها.
- أنت مدهشة، قال هو.
- أنت أروع، قالت هي.
وبدون كلام آخر، احتضنا بعضهما بشغف، ودخلا إلى الغرفة، وأغلقا الباب خلفهما. وقضيا الليلة الأخيرة معا، في حب وسعادة لا توصف. وفي الصباح التالي، عثروا على جثته مستلقية على السرير، مبتسمة وسعيدة. ولم يجدوا أثرا لمونيكا. فقط باقة من الورود البيضاء على المخدة.
Edward Kornelio
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق