الجمعة، 12 يوليو 2024

🌹الأدب الجميل ✍🏻د. لطفي منصور

 أ.د. لطفي منصور

وَصايا وَحِكَمٌ وَما قِيلَ في التَّأْليفِ، وَالِاخْتِيار، والشِّعْرِ:

نَعْتَمِدُ في ذِكْرِ ذَلِكَ عَلَى أَدَبِ الظَّرْفِ وَالظُّرَفاءِ. هذا الْجِنْسُ الأَدَبِيَُ (Gener) مِنْ أجْمَلِ أَجْناسِ الْأُدَبِ الْعَرَبِيِّ وَأَنْواعِهِ وَأَصْنافِهِ وَحَتَّى فُصولِهِ، وَأَخَفِّها عَلَى النَّفْسِ والْقَلْبِ.

الشَّخْصُ الظَّريفُ هُوَ الْكَيِّسُ مِنَ الكِياسَةِ، وَهِيَ الْفِطْنَةُ، وَسُرْعَةُ الْخاطِرِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّعْبيرِ الْبَلِيغِ الْمُثِيرِ لِلْبَهْجَةِ، أوِ التَّرْفيهِ عَنِ النَّفْسِ. وهَذِهِ الْمَلَكَةُ تَأْتِي ارْتِجالًا وَشِفاهًا في الْمُنْتَدَياتِ الرّاقِيَةِ، تَتَخَلَّلُها النُّكاتُ الْمُثيرَةُ، والطَّرائِفُ الْبَدِيعَةُ، والنَّوادِرُ الْمُبْهِجَةُ.

مَصادِرُ هذا الأَدَبِ كَثيرَةٌ وّواسِعَةٌ، فَهُوَ يَحْتَلُّ اهتِمامًا خاصًّا مِنْ مُؤَلِّفي كُتُبِ الُأَدَبِ الْمَنْثور، فلَهُ فيها أَبْوابٌ وَفُصولٌ. وهُناكَ مَنْ أَلَّفَ كُتُبًا تَحْمِلُ الْعُنْوانَ نَفْسَهُ، أُشيرُ هُنا إلَى أَهَمِّ كِتابَيْنِ مِنْها:

- كتابُ المُوَشَّى، وَيُعْرَفُ بِالظَّرْفِ وَ الظُّرَفاءِ، أَلَّفَهُ مُحَمَّدُ ابنُ إسْحاقَ بْنِ يَحْيَى الْمُلَقَّبُ بِالْوَشّاءِ وَالْمُكَنَّى بِأبي الطَّيِّبِ (ت ٩٣٧م).

- كِتاب "نُوْرُ الظَّرْفِ وَنَوْرُ الظَّرْفِ"، وَيُعْرَفُ أَيْضًا بِكِتابِ النُّورَيْنِ. أَلَّفَهُ أَبو إسْحاقَ إبْراهيمُ ابْنِ عَلِيٍّ الْحُصَرِيُّ الْقَيْرَوانِيُّ، صاحِبُ كِتابِ "زَهْرُ الآدابِ" بِمُجَلَّدَيْنِ (ت ٤١٢ هج).

لا أستَطيعُ في هَذا الْمَوْقِعِ أنْ أَتَحَدَّثَ عَنِ الْكِتابَيْنِ، خَوْفَ الإطالَةِ، أكتَفي بِالْحَديثِ عَنِ الْكِتابِ الأَوَّلِ لِأَنَّهُ أقْرَبُ إلَى الْمَوْضوعِ، وَلِأَنَّ بَعْضَ الباحِثينَ يَزْعُمُ أنَّ كِتابَ "النُّورَيْنِ" ما هُوَ إلّا تَلْخيصٌ لِكِتابِ زَهْرِ الآداب. ومَهْما يَكُنْ فَالْكِتابانِ مِنَ الأَدَبِ الْمَغْرِبيِّ.

ما هُوَ الوَشْيُ وَما هُوَ المُوَشَّى؟ وَشَّى الثَّوْبَ نَقَشَهُ وَنَمْنَمَه وَلَوَّنَهُ بِأَلْوانٍ عِدَّةِ. وَشَّى الْكِتابَ تَوْشِيَةً دَبَّجَهُ بِزُخْرُفِ الْكَلامِ، وَالعِباراتِ الجميلَةِ، والمَواضيعِ الْمُتَعَدِّدَةِ الرّائِقَةِ.

سُمِّيَ صاحِبُنا بالوَشّاءِ نِسْبَةً إلَى أبيهِ، فَالْأَصَحُّ تَسْمِيَتُهُ بِابْنِ الْوَشّاءِ، لَأَنَّ أباهُ كانَ يَبيعُ ثِيابَ الْإبْريسَمِ وهي كَلِمَةٌ غَيْرُ عَرَبِيَّةٍ مَعْناها الْمُلَوَّنَةُ بِعِدَّةِ ألوانٍ.

وُلِدَ الوَشّاءُ في بغدادَ، وَسَمِعَ النَّحْوَ وَاللُّغَةَ مِنْ كِبارِ عُلَمائِها مثْلِ محمّدِ بْنِ يزيدَ الْمُبَرِّدِ (ت ٢٨٦ هج) 

وَأَحْمَدَ بِنِ يَحْيَى ثَعْلَبٍ (ت٢٩١ هج) وَغَيْرِهِما من أبناء ِ عَصْرِهِ، قَبْلَ أنْ يُغادِرَ إلَى الْمَغْرِبِ الْعَرَبِيِّ.

قَلَّما يَنْجُو مُؤَلِّفُ كتابٍ مِنْ مَكيدَةٍ تَنْتَظِرُهُ، أوْ باحِثٍ عَنْ خَطَإ؛ وكانَ يُقالُ: مَنْ أَلَّفَ كِتابًا اسْتَشْرَفَ، أيْ وَقَفَ مُنْتَصِبًا لِيَسْتَقْبِلَ نِبالَ النَّقْدِ.

وَقالِوا: لا يَزالُ الرَّجُلُ في سَعَةٍ مِنْ عَقْلِهِ ما لَمْ يَقُلْ شِعْرًا، أَوْ يَضَعْ كِتابًا.

وَقالَ الشّاعِرُ في ذَلِكَ: مِنَ الكامِلِ

الشِّعْرُ عَقْلُ الْمَرْءِ يَعْرِضُهُ

            وَالْقَوْلُ مِثْلُ مَواقِعِ النَّبْلِ

مِنْها الْمُقَصِّرُ عَنْ رَمِيَّتِهِ

            وَنَوافِذٌ يَذْهَبْنَ بِالْخَصْلِ

(الْخَصْلِ: إصابَةُ الْهَدَفِ)

اِخْتِيارُ النُّصُوصِ مِنْ شِعْرٍ وَأدَبٍ مِنَ الأُمورِ الْخَطيرَةِ؛ فقدْ قِيلَ لِبَعْضِ الْعُلَماءِ: اِخْتِيارُ الرَّجُلِ قِطْعَةٌ مِنْ عَقْلِهِ؟ فَقالَ: لا، بَلْ مَبْلَغُ عَقْلِهِ.

وَقالَ الْخَليلُ بْنُ أَحْمَدَ: لا يُحْسِنُ الِاخْتِيارَ إلّا مَنْ يَعْلَمُ ما لا يُحْتاجُ إلَيْهِ مِنَ الْكَلامِ لِيَتْرُكَهُ لِعَدَمِ فائِدَتِهِ.

وَقالَ الشَّعْبِيُّ (مِنْ أَكْبَرِ قُضاةِ المُسْلِمينَ في الْعَصْرِ الْأُمَوِيِّ، مَشْهورٌ بِفِتْنَةٍ حَصَلَتْ لَهْ):

الْعِلْمُ كَثيرٌ، وَالْعُمْرُ قَصِيرٌ، فَخُذُوا مِنَ الْعِلْمِ أَرْواحَهُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: الْعِلْمُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى، فَخُذوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَحْسَنَهُ.

وَقالَ أَحَدُهُمْ: مِنَ الرَّمَل

ما حَوَى الْعِلْمَ جَميعًا أَحَدٌ

            لا وَلَوْ مارَسَهُ أَلْفَيْ سَنَهْ

إِنَّما الْعِلْمُ كَرَوْضٍ مُزْهِرٍ

      فَتَخَرَّى كُلِّ شَيْءٍ أَحْسَنَهْ

_____

إلى اللِّقاءِ مَعَ الأَدَبِ الْجَميل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

🌹أطلت كالهلال✍🏻 جاسم الطائي

 ( أطلّت كالهلال ) أطَلَّت كالهلالِ فكانَ عيدُ وقالت : هل أتى فصلٌ جديدُ بخيلٌ أنتَ والدنيا رُدودُ فما لي والهوى قدرٌ عنيدُ وما لي والمدادُ ...