الأربعاء، 31 يوليو 2019

رِحْلَتَي ْالشمال والجنوب..... حمادي أحمد آل حمزة الجزائر♦️♦️♦️♦️

رِحْلَتَي ْالشمال والجنوب
تعوّد الوالد على رحلتي الشمال والجنوب في القرن الماضي على ظهر الجمل يحمل حبوب القمح والشعير إلى الجنوب ليستبدلها بالتمر ، ثم يعود قافلا إلى بيته يبيع مايبيعه ويحتفظ بنصيب منه ، واستعان في كل هذا بابن له تبدو عليه علامات الفتوة والنضج ، يسافران لشهر كامل بين رواح وغدو ، يقطعان جبالا أطلسية شامخة شموخ الزمن ووهاد وسهول اكتست قشّا يقضم البعير منه قضمات متتالية ، يتبادلان الركوب على ظهر الجمل المحمّل ، ويمشيان تارة أخرى ،يرددان أغاني شعبية كلما أمسك حاديهم بالحبل يقود البعير فيسرع الأخير على وقع الترنيمات والأغاني ، يطويان الأرض نهارا ويحطان حملهما ليلا للنوم والراحة ، وأي نوم فهما يتناوبان الحراسة خوفا من قطاع الطرق والذئاب والضباع التي تملأ سكون الليل عويلا ونباحا ،ثم يدخلان الأراضي الصحراوية التي تمتد رمالها على مد البصر  تكسوها بعض حشائش الاستبس ثم تنعدم تماما كلما أوغلا التقدم في رحابة رمالها ،ينزلان كثبانا رملية تبتلع قطعانا من الجمال ويصعدون أخرى حاثين الجمل على الخطى للوصول إلى السوق وعرض بضاعتهما و اقتناء أخرى . ويكون لهما الأمر وفي أحد هذه السفريات لمح الفتى أعرابيا يقود جملا ضخما بني اللون يميل إلى السواد هائجا يلوك لسانه مرة يخرجه بالونا أحمر وينفخ فيه فيصدر رغاءً للدلالة على استعداده للتزاوج ، ذو سنامة عالية ووبر كثيف ، وأخفاف كبيرة لا تغوص في الرمل يستطيع حمل حملين أو أكثر ، فأعجب الفتى بالبعير وسأل صاحبه : أهو للبيع فقال الحادي : نعم وأردف الفتى قائلا وكم ثمنه ، قال صاحب البعير: ديناران ونصف الدينار ، فألتفت إلى والده يترجّاه شراء البعير لأنه يعلم أن والده يملك هذا المبلغ ، فقال الوالد : يا بني لا نملك غير هذا المبلغ والشتاء على الأبواب تحتاج منا كثيرا من المصاريف وكذا فصل الربيع الذي يعلم الله وحده حاله ، اقحط أم جفاف أندري أغيثا نغاث فيه ونحصل على مؤونة سنة كاملة أم نلجأ إلى الاقتراض ، فسكت الشاب على مضض وهو يلتفت من حين إلى آخر إلى البعير الهائج ويحث جمله على السير بضربات متقطعة بسوط في يده ، يصب جام غضبه عليه والوالد يلحظ ذلك ويكتم غيضه ويتناسى ما يفعله ابنه بتغيير مواضيع الحديث ، ليلهي ابنه عن طلبه ، ومازالا سائرين في الصحراء الشاسعة متبعين في ذلك النوازي وهي علامات تبنى على شكل أهرامات صغيرة على شاكلة المنارة البحرية ، فلولاها لضاع الكثير في صحاري الوطن .
ولما حل فصل الربيع فقد كان رخاء إذ تساقطت الأمطار فيه والثلوج فجاء المحصول وفيرا واستبشر الفلاحون خيرا، وتم جمع المحاصيل الزراعية ، وتخزين بعضها أما الباقي فقد أعدوه لرحلة الجنوب ، ليستبدلاها تمرا ، وسافر الوالد وابنه كالعادة يقطعون الفيافي والصحراء ، وتم لهما ذلك في أحسن الظروف , وقفلا راجعين إلى الشمال ، ولما توسطا الصحراء لمح الفتى الأعرابي صاحب البعير وقد ازداد قوة وهيبة ، فبادره الوالد بالتحية وسلما على بعضهما البعض ، وسأله إن كان بعيره مازال معروضا للبيع ،فقال الأعرابي : نعم مازال كذلك ولكن ثمنه أصبح الضعف عن العام السابق ، فقال الوالد أنا اشتريت ، وقال الأعرابي ,أنا بعت ، وقبض الثمن من الوالد وانصرف ، والفتى مدهوشا ، ولكنه انفجر صارخا ، لقد كان ثمنه النصف في العام الماضي ولم تشتريه ، ولما ارتفع ثمنه بادرت إلى إفلاسنا ودفع مبلغ باهظ فيه ، فقال الوالد: والبشائر تعلو محياه وهو يمسك بعنان الجمل ويتفرسه من جميع الجوانب ، بني في العام الماضي كنا لا نملك غير مصاريف السنة ، واليوم والحمد لله نملك ثمن البعير والحمل وزاد العام كله ومازال لدينا بعيرنا سنبيعه ونشتري به أغناما لنا ، فقد منّ الله علينا بعام أغاثنا فيه . عندها أدرك الفتى حكمة الوالد وبصيرته في تسيير شؤون البيت ، وكيفية التدبير ، وكانت تجربته هذه حكاية لأولاده ، يحكيها بفخر واعتزاز ويقول لأبنائه هذه تجربة جدّكم في الحياة.
حمادي أحمد آل حمزة الجزائر





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

🌹أطلت كالهلال✍🏻 جاسم الطائي

 ( أطلّت كالهلال ) أطَلَّت كالهلالِ فكانَ عيدُ وقالت : هل أتى فصلٌ جديدُ بخيلٌ أنتَ والدنيا رُدودُ فما لي والهوى قدرٌ عنيدُ وما لي والمدادُ ...