في قضايا الادب والنقد .
أول ناقدة عربية في التاريخ .
أورد ابن قتيبة في كتابه ( الشعر والشعراء ) لدى ترجمة علقمة بن عبدة ، أو علقمة الفحل ،خبرا أدبيا طريفا مضمونه ان علقمة الفحل تنافس مع امرئ القيس ،و كان معاصرا له ،فتجادلا في ايهما اشعر من الاخر ،الى أم جندب زوج امرئ القيس ،فطلبت الى كل منهما ان ينشئ قصيدة ،في وصف فرسه ،على قافية واحدة ، وعلى بحر واحد ،فقال امرؤالقيس من قصيدة :
فللسوط ألهوب و للساق درة .....وللزجر منه وقع اخرج مهذب .
في حين قال علقمة بن عبدة من ابيات يصف فيها فرسه .
فأدركهن ثانيا من عنانه .....يمر كمر الرائح المتحلب .
فزعمت ام جندب لامرئ لقيس ان علقمة اشعر منه ،فلما سألها عن العلة الفنية في ذلك قالت له ما معناه : ان علقمة وصف فرسه بالسرعة المذهلة ،وانه يبلغ به غايته من الصيد وهو لا يزال يتوهج نشاطا وقوة ،فهو ليس محتاجا الى درة يحفزه بها ،ولا الى سوط يسوطه به ليزيد من ركضه ،بل هو يركض من تلقاء نفسه كالريح المرسلة ! في حين ان فرسك ،انت تستعين على بلوغ صيدك من على متنه بالسوط و الدرة ،والتهييج والتنشيط ، والزجر والتحفيز ، والا فما صنعت شيئا !...وشتان ما بينهما : فعلقمة ، اذن اشعر منك وأفحل !
ويزعم الخبر ان امرئ القيس غضب من صاحبته ، أم جندب ،قائلا : ما علقمة ( بأشعر مني ،ولكنك له عاشق ) !
ويبدو ان جوهر الحكاية صحيح ،ولكن الالفاظ التي صبت فيها ،متاخرة عن زمن الجاهلية ،والا فأني لام جندب بمعرفة هذا النقد الذكي الدقيق الذي يفصل الاختلاف بين الوصفين ،وان وصف امرئ القيس دون وصف علقمة ؟ غير ان الذي فات ام جندب ،ان كان الخبر صحيحا حقا ،ان امرئ القيس وصف فرسه وصفا واقعيا صادقا ،فعبر عن حالة معروفة لدى كل المتسابقين على الخيل فمهما يكن الفرس جوادا كريما فهو محتاج الشيئ من التحفيز ليزداد نشاط وسرعة ،حتى يبلغ راكبه ما يريد .في حين في ان علقمة قدم وصفا مثاليا ،يحتاج الى الصدق والواقعية ،لانه يزعم ان فرسه يبلغ غايته من الصيد و راكبه ثان من عنانه وانه يمر به وهو ايرع من الريح ! و هذه صورة ،كما قررنا ،غير صادقة في واقع الحياة ...
وقد تكون هذه الناقدة العربية الاولى ،في التاريخ ،غير عاشقة لعلقمة بن عبدة اصلا ،على غير ما اتهمها به زوجها امرئ القيس وكنها تعصبت في حكمها النقدي للصورة المثالية التي كانت تنشدها في اي فرس ،لا الصورة الواقعية ألتي جعلت هذا الفرس فرس عادي لا يتمتع باي من صفات الجواد الكريم .
و نود ان نتسأل عن الوصف الاخر العجيب الذي وصف به امرؤ القيس حصانه في معلقته و هو:
مكر مفر مقبل مدبر معا ... كجلمود صخرحطه السيل من عل !
فهل قاله قبل هذه الحادثة ،فقصر في الوصف الثاني ،ام قاله بعدها فأفاد من ملاحظة ام جندب التي تزوجها ،بعد طلاقها ،من علقمة الفحل ...
د.رضا سلام التبسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق