أ. د. لطفي منصور
الْعَرَبِيُّ وَالْمُجْتَمَعُ:
يَقُولُ ابْنُ خُلْدُون في الْمُقَدِّمَةِ: الْإنْسانُ اجْتِماعِيُّ بِطَبْعِهِ لا يَسْتَطِبيعُ الْعَيْشَ بِمُفْرَدِهِ. وَالسَّبَبُ واضِحٌ لِأَنَّهُ لا يَقْدِرُ عَلى تَوْفيرِ حاجاتِهِ بِنَفْسِهِ، في الْمَأْكَلِ والْمَشْرَبِ والْمَلْبَسِ وَالْمَسْكَنِ والتَّعْليمِ وَالتَّطْبِيبِ وَغَيْرِها مِنْ لَوازِمِ الْحَياةِ.
لِذَلِكَ يَعِيشُ النّاسُ جَماعاتٍ وَقَبائِلَ وَشُعُوبًا وَيَتَعاوَنُونَ مَعًا لِيُوَفِّرُوا حاجاتِ حَياتِهِمِْ.
وَالْبَشَرُ شَدِيدُو التَّأَثُّرِ بِالْبِيئّةِ وَما تَحْتَوِي. فَالْإنْسانُ ابْنُ بِيئَتِهِ، وَالْمُناخُ لَهُ تَأْثِيرٌ كَبِيرٌ عَلى جِسْمِ الْإنْسانِ وَصُورَةِ سِحْنَتِهِ. وَلْنَأْخُذْ شَعْبَنا الْعَرَبِيَّ مَثَلًا، وَهُمْ الَّذِينَ قالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلامُ فيهِمْ: "الْأَزْدُ أَحْسَنُ النّاسِ وُجُوهًا"، وَهُوَ يَعْنِي الْعَرَبَ. فَكُلِّ إقْليمٍ عَرَبِيٍّ لَهُ ما يُمَيِّزُهُ في مَلامِحِ الْوَجْهِ وَالْعَيْنَيْنِ كَالشَّعْبِ الْيَمَنِيِّ والْعِراقِيِّ والشّامِيِّ والْمِصْرِيِّ وَالْمَغْرِبِيّ وَالْبَدَوِيِّ مَعَ اسْتِوائِها في الْحُسْنِ والْجَمالِ .
وَهَذا الِاخْتِلافُ نَجِدُهُ أَكْثَرَ وُضوحًا عِنْدَ الْأُمَمِ الْأُخْرَى فَهُناك الْجِنْسُ الْأَصْفَرُ وَهُمْ شُعُوبُ شَرْقِ آسْيا، والْجِنْسُ الْأَسْودُ في أَفْريقْيا، وَالْجِنْسُ الْأَحْمَرُ في الْأَمْرِيكِيَّتَيْنِ . وَاللَّوْنُ لَيْسَ لَهُ تَأثِيرٌ عَلى قْدُراتِ صاحِبِهِ في التَّفْكِيرِ وَالذَّكاءِ وَالْإبْداعِ والرُّقِيِّ، فَالنّاسُ سَواسِيَةٌ، لا يَتَفاضَلُونَ إلّا بِالتَّقْوَى وَالْإحْسانِ وَالْعَمَلِ الصّالِحِ .
ما دامَ الْإنْسانُ اجْتِماعِيًّا بِطَبْعِهِ لِيَتَعاوَنَ مَعَ أّبْناءِ جِنْسِهِ، وَلا بُدَّ مِنْ هَذا التَّعاوُنِ ، فَما بالُ أُمَّتِنا مُمَزَّقَةً مَعَ أَنَّ شُعوبَها تَلْتَقي في الْعِرْقِ وَاللُّغَةِ وَالتّاريخِ والتُّراثِ وَالدِّينِ في الْغَلَبَةِ مِنْ مُواطِنيها.
الْحَقيقَةُ أَنَّها مُتَّحِدَةٌ عَلى مُسْتَوى الشُّعُوبِ في الْمَشاعِرِ بِما يَتَعَلَّقُ بِقَضاياها الْأَساسِيَّةِ اَلَّتي تَقُضُّ مَضاجِعَها، وَتُعَمِّقُ جُروحَها، وهذا شَيْءٌ واضِحٌ وَالْكُلُّ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ.
وَإذا تَحَرَّيْنا أسْبابَ هَذا التَّمَزُّقِ وَجَدْناها تَنْحَصِرُ في السِّياسَةِ الَّتِي تُفَتِّتُ هَذِهِ الْأُمَّةَ، وَتَجْعَلُها أَحْزابًا وَشِيَعا.
السِّياسَةُ الدّاخِلِيَّةُ والسِّياسَةُ الْخارِجِيَّةُ اللَّتَيْنِ خَوَّلَتا الْأَجْنَبِيَّ التَّدَخُّلَ في الشُّؤونِ الدّاخِلِيَّةِِ لِلْبُلْدانِ الْعَرَبِيَّةِ، وَيَتَحَكَّمُ بِالسِّيادَةِ الْقَوْمِيَّةِ لِتِلْكَ الْبُلْدانِ ، فَيُصْبِحُ الْقَرارُ وَالتَّنْفِيذِ لِلْأَجْنَبِيِّ لا لِلْمُواطِنينَ الْعَرَبِ الْمُذْعِنِينَ.
ِ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق