قراءة صلاح المغربي .في قصيدة "عويل الصخر"
لشاعرة خديجة بوعلي
في قصيدة "عويل الصخر" للشاعرة خديجة بوعلي، نغوص في عمق الكلمات ونسافر عبر الزمن والمكان إلى عوالم من الصمت واليأس. تبدأ القصيدة برنين جدران الصمت المؤلمة، تخلق حالة من الانهزام والضياع في نفوسنا. تحاكي الصخرة الثقيلة والسوداء التي تضغط على صدر الليل، ترمز لثقل الحمل الذي يخضع له قلب التائه بين زوايا الوحدة والحزن.
تنطلق القصيدة بعبارات تتساوى في قوة التعبير وفقدان الأمل، تأخذنا في رحلة تجتاحنا الصعوبات وتحطم كل أمل في النجاة. القهر والقيظ يتجسدهما النص بصور واضحة، تزمجر الرياح بحنين مؤلم لعباءة الزمن التي تمضي دون رحمة.
تتساءل الشاعرة عن مشكلة التواصل والبحث عن النجاة، تناشد في الظلام الدامس بمشكاة تزيد من حدة الإنارة وتضيء دروب الحياة المظلمة. فهل من لقالق تتركنا في خريف الحزن وتحملنا إلى عالم الأمل والسلام؟
تنطلق القصيدة بإيحاءات مجردة وتعبيرات شاعرية عميقة، تصور لنا قلوبا محطمة وأرواحا تتيه في ليلٍ أسود لا يعرف النهار، وفي غفلة دامسة لا تجد سبيلاً للخروج منها. عن الهروب من لعنة الوعي وتحقيق حلمٍ غائب.
هكذا، تتأرجح كلمات "عويل الصخر" بين ثنايا الأسى والأمل، ترافقنا في رحلة ماساوية نحو مفردات الشجن والهموم، تحاكي أرواحنا الملتهبة وتخاطب قلوبنا الحزينة. تتركنا القصيدة في حالة من التأمل والتألم، تدفعنا لاستكشاف أعماق الروح وتجاوز الحدود المحيطة بنا.
قصيدة الشاعرة خديجة بوعلي
عويل الصخر
ــــــــــــــــــــ
عندما تئن جدران الصمت
تتهاوى الأبجديات من أعلى السطر
تطبق صخرة سيزيف
على صدر الليل
هل من ريح تحملني
على أشرعة الصبر ؟!
تبعثرني هنا وهناك
فلا أصيخ لنداءات القعر
لا انصت لغضب الموج
أغادر لعنة الوعي
عندما يشتد قيظ القهر
تزمجر الريح :
عباءة عمر قدت
من قبل ومن دبر
تتاوه سيقان الشمس
تنغرس في عتمات الغيم
تتوارى خلف ضباب العين
هل من مشكاة
تنير حلكة البوح ؟!
هل من لقالق تغادر
بالخريف الكون ؟!
بنوارس تنتدب مكانا
قصيا بالحلم ؟!
بنداء خفي يقض
غفوات الظلم ؟!
يحرض الزمن على
الهذيان والسهو ؟!
يلهم التيه كل الدهر
يغادر الوعي لعنة الصحو
----------------
*دراسة نقدية لقصيدة "عويل الصخر" للشاعرة خديجة بوعلي*:
1. *البنية والشكل*:
- القصيدة تنتمي إلى *الشعر الحر* المعاصر، متحررة من قيود الوزن والقافية التقليدية.
- تتكون من *مقطعين رئيسيين*، مما يخلق تناغمًا في البناء الهيكلي للقصيدة.
- استخدام *الأسطر القصيرة* يعطي إيقاعًا سريعًا ومتقطعًا، يعكس حالة التوتر والقلق.
2. *اللغة والأسلوب*:
- تتميز اللغة بـ *الكثافة والعمق*، مع استخدام مفردات قوية ومؤثرة.
- *الأسلوب الاستفهامي* يبرز بشكل لافت، مما يعكس حالة الحيرة والبحث عن الإجابات.
- استخدام *التشخيص* بكثرة، مثل "تئن جدران الصمت" و"تتأوه سيقان الشمس".
3. *الصور الشعرية والاستعارات*:
- "تتهاوى الأبجديات من أعلى السطر": استعارة قوية تصور انهيار اللغة والتعبير.
- "تطبق صخرة سيزيف على صدر الليل": صورة مركبة تجمع بين الأسطورة اليونانية والزمن.
4. *الموضوع والمضمون*:
- تدور القصيدة حول *محور المعاناة والصراع الداخلي*.
- تعكس *حالة من الاغتراب والضياع* في عالم مليء بالظلم والقهر.
- هناك *بحث مستمر عن الخلاص والأمل* رغم قسوة الواقع.
5. *الرمزية*:
- *الصخر*: يرمز إلى ثقل المعاناة والصراع المستمر.
- *الليل*: يمثل الظلم والمعاناة.
- *الريح والأشرعة*: ترمز إلى الأمل في التغيير والخلاص.
- *اللقالق والنوارس*: ربما ترمز إلى الحرية والانعتاق.
6. *التناص*:
- إشارة إلى *أسطورة سيزيف* اليونانية، رمز العذاب الأبدي.
- تناص مع *قصة يوسف* في القرآن الكريم.
7. *الإيقاع الداخلي*:
- رغم غياب الوزن التقليدي، هناك *إيقاع داخلي قوي* ينبع من تكرار بعض الكلمات والعبارات.
- استخدام *التساؤلات المتتالية* يخلق إيقاعًا خاصًا يعكس حالة البحث والحيرة.
8. *الختام*:
- تنتهي القصيدة بصورة *الوعي الذي يغادر لعنة الصحو*، مما يعكس رغبة في الهروب من الواقع المؤلم.
*الخلاصة*:
تنجح خديجة بوعلي في تقديم *تجربة شعرية عميقة ومؤثرة*، تمزج فيها بين الألم الشخصي والهم الإنساني العام. تعكس القصيدة *براعة فنية* في استخدام الصور الشعرية والرمزية لنقل حالة نفسية معقدة من الصراع والبحث عن الخلاص.
القصيدة تمثل *صرخة إنسانية* ضد الظلم والقهر، وتعبر عن رغبة عميقة في التغيير والحرية، رغم ثقل المعاناة وصعوبة الواقع.
-------------------
في عالم الصخور يتجلى الواقع بكل حداده وقسوته، حيث نجد أنفسنا محاطين بجدران من الصمت تبكي، تفقد كلماتها وتتأرجح بين أعلى السطور كأنها تبحث عن هويتها. تضغط صخرة سيزيف بثقلها على صدر الليل المظلم، مثل عبء لا يحتمله الواقع.
نحن جميعا، نتساءل كل منا إذا ما كان هناك رياح تستطيع أن تحملنا على أجنحة الصبر، لتنقلنا بعيدا عن هذا العالم الصلب والبارد. نتناثر في كل مكان، ونجد أنفسنا عاجزين عن الاستماع لنداءات القعر، فنحن تائهون في هذا العالم الخرافي الذي يبدو وكأنه لم يكن لنا مكان فيه.
لا نستطيع التصالح مع غضب الموج العاتي، فنترك الوعي ليغادر حياتنا ليعمَّنا الجهل والضياع. وعندما يزداد القهر قسوة، يشجر الريح بشدة، تنشد عباءة العمر التي مرت بنا من قبل ومن بعد وتتنفس أشعة الشمس بأشواق في ظلام الغيم.
نحن جميعا، نتساءل هل يوجد مشعل ساطع ينير جدل البوح ويزرع الأمل في القلوب المظلمة؟! هل يوجد غراب يستطيع أن يغادر بالخريف الكون؟! ينتظر بنوارس فرصة مكانًا للهروب من حقيقة الواقع.
نغرق في حُلم عميق، يحمل بداخله نداءً خفيًا يستيقظ عند ساحات اليأس وغفوات الظلم. يحث الزمن على التخبط والانشغال، فيلهم كل ذلك التيه والارتباك الذي يُعمّنا حتى يغادر الوعي للعنة السهو، فيتاه ويتضاءل معه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق