قراءة ذ علي اليدري في قصة الطفلة مها حيدر
القصة.
قطار البصرة
كان ينتظر عند المحطة آملًا رؤية اِبنته مع ابتسامتها ، ليستقبلها بحضنه الدافئ ، توقف القطار ، نزل الركاب ، لكن لم يجد صغيرته .
لفت انتباهه موقفاً مؤثراً بين أب وابنته وهو يعدها بجميل الوعود فقال :
- مهما حدث سأجوب العالم ، كي أجدكِ.
وقرر ان يمتطي قطار البصرة ، وما إن دلف حتى هُيِّئ له أنه رأى صورة على الأرض لابنته ، نزل مسرعًا وعيناه تتفحصان الوجوه :
- هل أنتِ هنا ؟!
وللأسف لم يجدها .. بحث طويلًا وغادره القطار بعيدًا . فقال:
- يا لحظي السئ !!
جلس وقد بدت ملامح التعب على محياه ، وغلبه النوم فاستسلم له .
- أبي .. أبي !!
أستيقظ متلهفًا : أخيرًا وجدتها !!.
قال طفل: - آآآه … أنا آسف حسبتك والدي .
حضن الولد الصغير ، وقال له بصوت ضعيف :
- لا بأس ، مرحبًا بك .
جاء قطار آخر ، ركض نحوه وركب متسائلا :
- اِبنتي ، انتِ هنا ؟!!
حضنها بشدة ، فرك عينيه ، انها مجرد تهيؤات ، تأسف لحاله ولذكرياته مع صغيرته .
نزلت دمعة على خده ، وقلبه دامٍ حطمته قساوة الحياة .
——————————————-
محبتي واحترامي وباقات ورد وياسمين لأساتذتي في مجلة المســــ العربية ـــــاء
شكرًا .
+++++++++++++
قراءة وتماهي ذ. علي اليدري.
وجدتني، وأنا اقرأ هذه القصة عدة مرات، تتقاذفني مشاعر متضاربة، تارة عاتية قاتمة، بلون الأسف على الذي انتهى إليه الأمر. وتارة مشحونة ببهاء تطريز القصة، وبنور الإبداع. وطي ذلك جلال الرسالة المحمولة. فوقعت في ارتباك ايجاد بداية لمناولة النص بالقراءة.
إلا أن وقوف مها في محطة انتظار، تترقب وجهة نظري وملاحظاتي، هكذا تهيأ لي، وقد تعودت مني ذلك باستحسان. بل وكأنها تشجعني على الاقدام، جعلتني أنتصر على لحظة الارتباك. وأقدم لها الشكر أولا. والتهنئة ثانيا.
هكذا يستوقفني الموضوع أمام قصة حافلة بمؤشرات الابداع. نلامسها في بناء النص المتماسك الحلقات. وفي سرد سلس، مفعم بالديناميكية والتشويق. وفي الصلب قيمة المشاعر الانسانية، في إطار العلاقة بين الآباء والأبناء.
لا اعتقد ان اي قارئ للقصة، يستطيع الإفلات من شعور الأسف والأسى، وهو يتمثل أبا رمته الأقدار بخطب الفقد لقطعة من كبده، خاصة إذا كانت القطعة كلا، فلا محالة ان الشجن سيكون فظيعا.
في مقاربتها للموضوع. وبمهارة فنية عالية، تقدمها لنا مها شاخصة في صورة أب، جراء صدمة الفقد، يفقد اتزانه. ويهيم في الحياة بحثا عن ظلها. يتوهما تقيم في مكان قصي، فلا يتواني عن السفر إلى ذلك المكان. تستوقفه محطة في المسار، عساها هناك تقيم. فيضطر الى النوم في الخلاء تحت تاثير الخيبة والإرهاق. يوقظه من سباته صوت طفل، يتهيأ له صوت ابنته، لكن خيبته تتأكد. ومع المشهد، يتفاقم وجعنا.
تحملنا مها، ببديع مهارتها الأدبية، إلى أقصى حدود المشاعر بلون الوجع، فتستوقفنا أمام مشهدية الأب وهو يمسح بكفه عبرة أسف وخيبة. مستسلما لغلبة القدر. فمن منا كقراء، يستطيع مغالبة دموعه أمام هذا المشهد المروع في مضمونه، والبهي في تصويره!؟
أجد في القصة مجموعة من العبر لا بد من الوعي بها. واستلهامها. فما من أب إلا وبه شحنة قوية من الحب والحنان تجاه أبنائه. وهو مطالب بصيانتها، وشكر الخالق على منته، وإكرامه. مستحضرا حال الذين حرموا من ذلك. والأبناء، من موقعهم كجواهر في عقد الآباء مطالبون بالوفاء لهذا الحضن الذي يتهيأ دافئا لهم.
دمت، بنيتي مها، متنعمة في حضن الأبوين. موقعة حضورك ببهاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق